الفساد في السعودية...
كان بعض الناس ممن يرفعون شعار «الإسلام هو الحل» يعتقدون أن الدول العربية فاسدة وملوكها وحكامها ورؤساء جمهورياتها وقادة أحزابها ووزراءها كلهم فاسدون لأنهم لا يتخذون من القرآن دستورا لهم، ولكن خاب ظن الغالبية حين عرفوا بأن السعودية وهي البلد العربي الوحيد الذي دستوره القرآن ومع ذلك فيه أكبر نسبة فساد مريب اعترف به مليكها علناً بعد إعلانه عن تشكيل لجنة لمكافحة الفساد، رغم وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي إما أنها لا تحارب الفساد الكبير وتختصر نشاطها على الفساد الصغير والذي أصلا لا يمكن أن نعتبره فساداً، وإما أن الهيئة نفسها فاسدة، أو أنها لا ترى في الفساد فساداً بل تراه أمراً عادياً كما قال أحدهم.
ملامح عن تنامي الفقر في السعودية
يعاني السعوديون من الفقر والبطالة التي تبلغ نسبتها 10.5%، ومن قمع الحريات باسم الدين وتنامي أجهزة الأمن التي تروع المواطنين وتخيفهم وزيادة معدل الأشخاص الذين تعدمهم الحكومة عن اثنين أسبوعياً، أضف إلى كل ذلك غياب منظمات المجتمع المدني علما أن السعودية تأتي في المرتبة الأولى عربياً من حيث الناتج المحلي السنوي.
ورغم الصورة المأخوذة عن رفاهية السعوديين إلا أن العقدين الأخيرين شهدا تضخماً كبيراً في أسعار السلع والخدمات، حيث ارتفعت إلى 400 %، بينما لم يرتفع دخل المواطن إلا بمقدار 66%، وتآكلت بسبب ارتفاع أسعار القوة الشرائية للريال ويقدر انخفاضه خلال العقدين الماضيين بأكثر من 42% ، ورغم كل الزيادات المتكررة في دعم ذلك الدخل، إلا أن الارتفاعات في أسعار السلع والخدمات -وأغلبها مستوردة- كانت أكبر بكثير من ذلك الدعم، وأدى ذلك إلى زيادة أعباء تكاليف المعيشة على الأسر، كما أن هذا يظهر الخلل الذي تعاني منه السياسات الاقتصادية، وفي مقدمتها السياسة النقدية المرتبطة تماماً بسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وخلال السنوات الأخيرة برزت على الساحة أزمة جدية هي أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات. والتي امتدتْ بآثارها السلبية شاملةً إلى من هم خارج دائرة الفقر، أي المحسوبين على أصحاب الدخول المتوسطة، الذين باتوا عاجزين تماماً عن توفير وتملك المسكن في أبسط مستوياته ، ففي «جازان» بلغ عدد الأسر التي تعيش فقراً مدقعاً نحو 9700 أسرة بنسبة %39 من إجمالي الأسر القاطنة فيها، وتأتي «نجران» (جنوب المملكة) ثانياً بـ 24.53 في المائة، فالمدينة (غرب المملكة) بـ 24.07%، تليها الحدود الشمالية بـ 23.59%، وأكثر من 80 % من المواطنين لا يملكون منازل خاصة بهم، ويعيش بعضهم في بيوت من الصفيح في بلد صحراوي تتجاوز درجة الحرارة فيه صيفاً الخمسين درجة مئوية، وهناك مشاهد موثقة عن قصة أسرة مكونة من 11 فرداً، تعيش في إحدى مقابر عاصمة الرياض وبحالة مزرية جداً.
الفساد وبذخ العائلة المالكة سببان رئيسيان للفقر
أحد الصحفيين السعوديين يتساءل عن قصر أحد الأمراء في الرياض الذي يتكون من عدة قصور وكلف الدولة حوالي 12 مليار ريال، وعن بيته في جدة الذي يمسح مليون متر مربع وكلف مليار ريال، وعن أسهمه في البنك الأهلي وجنرال الكتريك ومرسيدس وشركات وعقارات تصل قيمتها الإجمالية أكثر من 300 مليار ريال ويملك خمس طائرات خاصة، منها ثلاث «بوينغ» فخمة، كلفت الدولة أكثر من ملياري ريال، مع صيانتها على حساب الخطوط السعودية إضافة إلى أسطول اليخوت التي يمتلكها والتي كلفت ملياراً ونصف المليار، مع صيانتها وتجديدها وكان هذا الأمير متورطاً بقضية اختلاس أموال عبر شركة «سعودي أوجيه» التي يملك جزءاً منها، ومتهماً بسرقة «ممتلكات عقارية هائلة، تقدر بعشرات الملايين من الأمتار وعشرات المليارات من الريالات وما ينطبق على هذا الأمير ينطبق على باقي أفراد العائلة المالكة.
لكن صفقة اليمامة والتي تعتبر أكبر وأضخم وأغبى صفقة سلاح في التاريخ هزت كيان المملكة، فالأموال التي دفعت من أجل إتمامها ذهبت هباءً في سلاح لم يستخدم وكان رميه وإتلافه خير من صيانته، بل أعيد بعضه إلى بريطانيا تحت مسمى «طائرات مستخدمة» وتحولت الصفقة إلى أكبر فضيحة فساد دولية.
ففي أيلول 1985 وقع وزير الدفاع البريطاني، مايكل هيزلتاين مع السعودية المرحلة الأولى من صفقة اليمامة التي نصت على تزويد السعودية بطائرات تورنيدو وبي أيه إي هوك الحربيتين وتقديم الدعم الفني والصيانة المتعلقة بهما، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة لهذه الطائرات في السعودية، وقد بلغت قيمة الصفقة حوالي 45 مليار جنيه إسترليني 86 مليار دولار أمريكي. وتم فيما بعد الكشف عن توقيع اتفاقية إضافية خاصة بصفقة اليمامة.
وكان الامير بندر بن سلطان، والذي لعب دور المفاوض عن الجانب السعودي في صفقة اليمامة، كان قد تلقى أكثر من ملياري دولار على مدى عقد من الزمن كعمولات مقابل دوره في إبرام الصفقة المذكورة.
أمرت المحكمة العليا البريطانية بفتح تحقيق قضائي شامل في قرار أوقف التحقيق في صفقة اليمامة وأعلن رئيس الوزراء السابق توني بلير أنه أمر بذلك كي لا تتضرر علاقات بلاده مع السعودية، لأن هذه العلاقة شديدة الأهمية في «مجال الحرب على الإرهاب، وكي لا تفقد بريطانيا آلاف الوظائف».
ونشرت صحيفة الجارديان تحقيقاً عن وجود أدلة على طلب أفراد من الأسرة المالكة في السعودية لعمولات مالية مقابل دورهم في إبرام صفقات سلاح بين السعودية وبريطانيا ووفقاً للمعلومات، فقد قامت الشركة البريطانية بتخصيص ميزانية أو صندوق للإنفاق على رشاوى وتغطية حياة ومعيشة أمراء سعوديين مارسوا حياة ترف، ولدفع تكاليف مشترياتهم التي كانت بغير حساب خلال عطلهم وعدد كبير من السيارات الفارهة التي يستخدمونها، ومن بينها سيارة رولز رويس ذهبية، والشقق الفخمة التي يستأجرونها لهم ولحاشيتهم.
وقد تداولت وسائل الاعلام البريطانية، في كانون الأول 2007، خبر تهديدات سعودية بإلغاء صفقة طائرات «تايفون» ووقف التعاون في مجال الارهاب والأمن ما لم يوقف التحقيق في صفقة اليمامة.
وأخيراً فقد اعتاد المواطن السعودي على تلقي الضربات تلو الضربات خصوصاً في مجال غلاء المعيشة ، و الاستعطاف للحصول على حقوقه المشروعة، وأصبح يعيش حالة من ترقب النتائج السلبية وهو يدرك أنها لن تكون بالنسبة له أشد وطأة مما هو معايش له، وهو في النهاية متلقٍّ وليس جزءاً من صناع الواقع، كما يبدو في الأفق تلاشي الطبقة الوسطى وتآكلها وهي الركيزة الأساسية لنمو المجتمع اقتصادياً وفكرياً وعلمياً واجتماعياً، ولكن طرأ شيء جديد في حياة السعوديين وأصبح الفيسبوك وتويتر الساحتين الأساسيتين اللتين علا فيهما سقف الحرية إلى حد غير قابل للرقابة أو التطويع، مما دفع بمجموعة كبيرة من الدعاة والمشايخ السعوديين إلى ركوب موجة الإعلام الجديد، وتناقلت المدونات فور شيوع خبر استثمار الأمير الوليد بن طلال في تويتر سيلاً من التعليقات الساخرة من مستخدميها ، وكتب أحد المستخدمين الآن بعد أن أصبحت تويتر سعودية، سيكون لديك خياران عند الدخول: قسم للرجال وقسم للنساء ومستخدم آخر اقترح إغلاق الموقع للمسلمين أثناء الصلوات الخمس، المهم أن الإعلام لم يعد قادرا على مساندة الفساد ونشره من خلال تجاهل خفاياه ومظاهره وتجاهل غوص العائلة الحاكمة في مستنقعاته.