روسيا تعني ما تقول..
د. فريد حاتم الشحف د. فريد حاتم الشحف

روسيا تعني ما تقول..

أثار إعلان روسيا مؤخراً على لسان القائد العام للقوات البحرية الروسية الأميرال فيكتور تشيركوف أن القيادة باشرت في تشكيل مكتب دائم لتشكيلات السفن الحربية للعمل في البحر الأبيض المتوسط، اهتمام الكثير من الأوساط الإعلامية والسياسية حول توقيت الإعلان وارتباطه بالأزمة في سورية

لا شك أن روسيا ومنذ الاعتداء الجورجي على أوسيتيا الجنوبية عام 2008، الذي اعتبرته روسيا، اعتداءً غربياً مباشراً على مصالحها داخل الفضاء السوفيتي السابق، ويأتي ضمن المخططات الغربية لتطويق روسيا ومنعها من استعادة دورها على الساحة الدولية كمنافس للقطب الأمريكي، بدأت تركز على جهوزيّة قواتها المسلحة لتكون مستعدة على الدوام للدفاع عن مصالح روسيا، ليس ضمن الفضاء السوفيتي السابق فحسب، بل وحول العالم أيضاً.

تجلّى الاستعداد العسكري الروسي في خطوات عدة قامت بها القيادة الروسية لإعادة الاعتبار لقواتها المسلحة وتأكيد عودتها بقوّة إلى الساحة الدولية أهمّها:

أولاً – إرسال طائراتها العسكرية الاستراتيجية، بعد العدوان الجورجي مباشرة، لتحلّق على حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع فنزويلا.

ثانياً – إعادة تفعيل قاعدة طرطوس العسكرية البحرية في سورية.  

ثالثاً - إعلان بوتين في برنامجه الانتخابي، عن تخصيص ميزانية ضخمة، لتطوير القدرات الدفاعية الروسية في السنوات العشرة القادمة.

رابعاً – تكثيف إجراء المناورات العسكرية الضخمة، داخل روسيا وفي البحار والمحيطات والمناطق التي تعتبرها روسيا حيوية لمصالحها، ومنها كان بمشاركة جيوش الدول الحليفة، كان آخرها المناورات التي أجرتها في البحر الأسود ومحيطه، بعد عودة بوتين مباشرة من اجتماع قمة دول البريكس في جنوب أفريقيا.

أتت الأزمة السورية، والتدخل الغربي المكثف المباشر وغير المباشر فيها لتقويض الدولة السورية، الذي اعتبرته روسيا تهديداً لمصالحها في المنطقة، لتضع القيادة الروسية أمام اختبار جدّي وخطير لدورها الجيوسياسي الجديد، وإمكانية الذود عن مصالحها ليس في المنطقة فحسب، بل وحول العالم أيضاً.

لذلك رأى المتابع كيف استخدمت روسيا مع الصين، ولأوّل مرة في تاريخ الأمم المتحدة ومجلس أمنها، الفيتو المزدوج ثلاث مرات متتالية على مشاريع قرارات موجهة ضد سورية في مجلس الأمن الدولي، لتعلن أن زمن أحادية القطب والهيمنة الأمريكية على العالم قد انتهى، وأن هناك أقطاباً دولية جديدة صاعدة، لها مصالحها حول العالم، لن تفرّط فيها من الآن وصاعداً.

وبدأت روسيا نشاطاً دبلوماسيّاً مكثفاً على المستويات كافة: المحلية والإقليمية والدولية، لحل الأزمة السورية سياسياً، عن طريق الحوار بين المعارضة والنظام، للتوصل إلى حل سياسي مناسب للخروج الآمن من الأزمة، توّج هذا النشاط بعد جهود مضنية، باتفاق ما أصبح يعرف بـ«جنيف– 1»، بين روسيا والولايات المتحدة والأطراف المعنية بالأزمة.

 لكن الاتفاق الذي اعتبر انتصارا للدبلوماسية الروسية، كان يعني بالنسبة للولايات المتحدة التي وافقت عليه على مضض، هزيمة وفشلاً لمخططاتها العدوانية التي توجتها بمحاولة الركوب على موجة الحراكات الشعبية، ليس في المنطقة العربية وحسب، بل وحول العالم أيضاً، واعترافاً صريحاً بنهاية زعامتها لأحادية القطب التي سيطرت على المشهد السياسي الدولي منذ انحلال الاتحاد السوفيتي. لذلك أخذت تلعب على عامل الزمن وتأجيل تنفيذ الاتفاق، وأعطت أدواراً لأدواتها، لتصعيد الأزمة وتحقيق مكاسب على الأرض، أملاً في تغيير مسار اللعبة كي تصل إلى هدفها في إسقاط الدولة السورية من المعادلة السياسية في المنطقة.

 لقد تجلّى هذا التصعيد الأمريكي بعد اتفاق جنيف في خطوات عدة نفذتها أدواتها في المنطقة، أهمّها:

-  تصعيد أجزاء من المسلّحين في سورية نشاطهم، وعدم التزام الأطراف المعنية بوقف إدخال المسلحين والسلاح إلى الأراضي السورية.

- إعطاء مقعد سورية في الجامعة العربية لإئتلاف الدوحة ممثل المصالح الغربية.

- إثارة استخدام سورية للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.

- دخول «إسرائيل» المباشر على خط الأزمة في سورية، وقصفها لمواقع عسكرية في ضواحي دمشق، الذي يشكل خرقاً واضحاً لاتفاق الهدنة الموقع مع سورية عام 1974، قبيل ساعات من لقاء كيري– لافروف الأخير في موسكو.

طبعاً، لقد اعتبر إعلان روسيا مباشرتها في تشكيل مكتب دائم للسفن الحربية في البحر الأبيض المتوسط، الذي أتى تتويجاً للعديد من الخطوات السابقة، رداً عل التصعيد الأمريكي- الإسرائيلي الأخير، بمثابة رسالة قوّية تم تأكيدها لكيري ونتنياهو وكاميرون في زيارتهم الأخيرة لروسيا، بالتزام روسيا فعلاً وليس قولاً بالدفاع عن السيادة السورية ليس سياسياً وحسب بل وعسكرياً أيضاً، إذا ما تعرّضت سورية لأيّ عدوان خارجي عليها، أو تهديد لسيادتها.

هذا ما سيضع الولايات المتحدة وحلفاءها أمام خيار واحد فقط، هو الحفاظ على ماء الوجه والذهاب إلى مؤتمر «جنيف–2»، والعمل الجدّي لإنهاء الأزمة في سورية سياسياً، لأنّ الردّ الروسي كان واضحاً وحاسماً ويضع حداً نهائياً لاحتمال التدخل العسكري المباشر أو استمرار التدخل العسكري غير المباشر في الأزمة السورية، لما قد يشكله ذلك من نتائج وخيمة على هذه الدول ومصالحها في المنطقة والعالم.