ليس بعيداً عن الاضطرابات المصرية، وخلافاً لأمنيات البشير استفتاء جنوب السودان يهدد بتمزيق شماله - (وجهة نظر غربية)
حذر مسؤولون وخبراء أمريكيون ونرويجيون من أن نتائج استفتاء التاسع من يناير في جنوب السودان، قد تجدد دوامة التوتر والعنف في المناطق المضطربة الأخرى مثل دارفور وجنوب كردفان ومناطق أعالي النيل بما يهدد كامل شمال السودان.
ونبه هؤلاء المسؤولون والمحللون السياسيون إلي أنه من المرجح إلي حد بعيد أن يظل الوضع في كل من شمال السودان وجنوبه هشا لفترة طويلة في المستقبل.
وجاءت هذه التحذيرات وسط اليقين المتزايد بأن الاستفتاء حول استقلال جنوب السودان سوف يؤدي إلى انفصال هذا الإقليم بأغلبية ساحقة عن السودان.
ومن هذا المنطلق، شددوا على ضرورة أن يعلق المجتمع الدولي اهتماماً كبيراً ورفيع المستوى على تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان.
فصرحت غيل سميث، المستشارة المتخصصة في شؤون السودان في مجلس الأمن الوطني بإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، «إن الخطة (الأمريكية) هي مواصلة الانخراط بصورة مطلقة». وأضافت في خطاب في مؤسسة «بروكينغز» الأمريكية قبل انعقاد الاستفتاء بخمسة أيام، أنه لا يوجد أي توقع بأن تتراجع واشنطن عن هذا الموقف. كما أشارت إلى أن واشنطن ملتزمة أيضاً بحشد الدعم من لاعبين رئيسيين آخرين.
وعن مخاطر تجدد التوتر والعنف في شمال السودان من جراء انفصال الجنوب، صرحت هيلدا جونسون، وزيرة التنمية النرويجية السابقة التي لعبت دوراً حاسما في التفاوض على اتفاقية السلام الشامل، أن الوضع في الشمال «لا يزال هشاً للغاية، ولابد من التعامل معه بعناية فائقة».
وحذرت جونسون، التي نشرت كتاباً عن تجربتها بعنوان «إطلاق السلام في السودان» وتشغل حالياً منصب نائبة المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، أنه إذا لم يتم التعامل مع هذا الوضع بشكل سليم «فسوف يكمن الخطر ليس فقط في دولة فاشلة (في السودان)، ولكن في دولة مجزأة أيضاً».
وكثفت إدارة أوباما ضغوطها، خاصة منذ شهر آب الماضي، من أجل ضمان إجراء الاستفتاء. ولا عجب، فالرهانات عالية جداً. فكانت هناك مخاوف سابقة من أن ترفض الخرطوم عقد الاستفتاء أو قبول نتائجه، وهو ما كان من شأنه أن يجدد الحرب الأهلية التي توقفت بموجب اتفاقية السلام الشامل في عام 2005.
ويذكر أن ما يقدر بنحو مليوني نسمة، غالبيتهم العظمى من الجنوبيين، لقوا حتفهم نتيجة لتلك الحرب. كما أنفقت حكومة الجنوب في جوبا نحو 40 في المئة من ميزانيتها على شراء الأسلحة وبناء قدراتها العسكرية، في حين فشلت الخرطوم في تنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل الخاصة بنزع سلاح الميليشيات القبلية على طول الحدود، وهي التي انحازت تاريخياً لجانبها.
وعلى الرغم من ترحيب المسؤولين والخبراء السياسيين الأمريكيين بتصريحات الرئيس السوداني عمر البشير في جوبا قبل الاستفتاء بخمسة أيام لا أكثر، وإعلانه عن قبول نتائجه أياً كانت، إلا أن مناخ عدم الثقة في البشير وحكومته لا يزال قوياً في واشنطن، خاصة في ظل فشله في التوصل إلى اتفاق مع حكومة الجنوب برئاسة نائب الرئيس سالفا كير ميارديت، بشأن العديد من الأحكام الرئيسية الواردة في اتفاقية السلام الشامل.
وتشمل هذه الأحكام، ضمن أمور أخرى، مصير منطقة أبيي الغنية بالنفط والواقعة على الحدود بين الشمال والجنوب، والذي كان من المفترض أن يحسم من خلال استفتاء ثان متزامن.
لكن تنظيم هذا الاستفتاء تعطل بسبب خلافات في اللجنة التي عينها الرئيس البشير حول ما إذا كان سيتم السماح بالتصويت لأعضاء مجموعة الرحل التي تربطها علاقات وثيقة مع الخرطوم.
في هذا الشأن، ورد أن الولايات المتحدة وشريكيها في عملية التفاوض على اتفاق السلام الشامل، وهما بريطانيا والنرويج، ضغطوا على الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن استفتاء حول مصير أبيي في التاسع من يناير الجاري أيضاً.
وأكدت الوزيرة النرويجية السابقة جونسون استباقاً لاستفتاء الجنوب أن حقيقة عدم إجراء استفتاء أبيي في الوقت المحدد له هو «مصدر قلق كبير».
كذلك فقد فشل الجانبان في إبرام اتفاق بشأن تقاسم عائدات النفط المنتج في كل من الشمال والجنوب في حال استقلال هذا الأخير، علماً بأن الاتفاق الحالي، الذي ينص على تقاسم عائدات النفط من الحقول الجنوبية بالمناصفة مع الشمال، سوف ينتهي سريانه في يوليو المقبل.
وللعلم فإن عائدات صادرات النفط السوداني، التي زادت ستة أضعاف خلال العقد الماضي، تشكل حاليا 90 في المئة من إجمالي إيرادات صادرات البلاد وماليتها، وكل ميزانية جنوب السودان باستثناء المساعدات الخارجية، وحوالي ثلثي ميزانية الحكومة الوطنية في الخرطوم.
وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 80 في المئة من إجمالي إنتاج السودان من النفط يأتي من الحقول الجنوبية، بل وما يزيد عن هذه النسبة في حالة التحاق منطقة أبيي بالجنوب.
مع ذلك، وعلى الرغم من خطط جنوب السودان لشحن النفط عبر طرق بديلة، فسوف يظل يعتمد على الموانئ السودانية في المستقبل المنظور، وهذا يعطي الخرطوم نفوذاً كبيراً في المفاوضات حول مستقبل تقاسم العائدات النفطية، وفقا لريتش ويليامسون الذي شغل منصب المبعوث الخاص للسودان في إدارة جورج دبليو بوش.
وتوقع ويليامسون قبل الاستفتاء أن يطغى الجشع على الجانبين، مضيفاً أنه من المرجح أن تحافظ الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الدولية الرئيسية على مستوى عال من التدخل والضغط للتوصل إلى اتفاق نهائي حول تقاسم الإيرادات وغيرها من القضايا المعلقة، في فترة الأشهر الستة بين الاستفتاء ومولد الدولة جديدة رسمياً.
ويجمع ويليامسون ومحللون آخرون على أنه ليس لدى أي من الطرفين مصلحة في إعادة إشعال الحرب الأهلية، ولكن مع التحذير من أن حوادث العنف- كتلك التي تسببت في حرق مدينة أبيي في مايو 2008، أو أي استفزاز متعمد- يمكن أن يطلق دوامة سريعة تخرج عن نطاق السيطرة.
فنبه النائب الديمقراطي دونالد باين في هذا الشأن أنه «يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للرد على أي احتمال».
ودعا باين الذي يشاطر ويليامسون شكوكه في صدق حكومة الخرطوم، إلى وضع «تخطيط شامل للطوارئ» يكون موضع مراجعة مستمرة في المستقبل المنظور.