جنوب السودان وماهية الدور الأمريكي
تستمر منذ حوالي الشهرين أزمة «جنوب السودان»، إذ أعلن «رياك مشار»، نائب الرئيس السابق، حالة التمرد والثورة على النظام المتمثل بالرئيس «سيلفا كير»، حيث كان الأخير قد عزل (مشار) في تموز 2013، مع ظهور الحديث عن بدء قبول أطراف النزاع للحل التفاوضي في الأيام الأخيرة
الولايات المتحدة أعلنت موقفها مبكراً بأنها لا يمكن أن تتراجع عن «حماية مصالح» شعب جنوب السودان، الذي عملت الولايات المتحدة جاهدة، وبكل قوتها، لتحقيق «حريّته واستقلاله»، هذا طبعاً وفق الدعاية التي تولتها قناة «الجزيرة أمريكا»، والتي تعلن أنه: «على سيلفا كير ارتداء قبعة النضال مجدداً، للتخلص من شوائب الاستقلال. والولايات المتحدة وحلفاؤها لن يتخلوا عن شعب جنوب السودان، وسيقفون إلى جانبه، لاستكمال بناء الديمقراطية والمجتمع الحر». هناك دوماً مجتمع حر ضعيف على الولايات المتحدة أن تحميه..
«حماة الديمقراطية» موجودون حتماً
في تقرير لـ «معهد الدراسات الاستراتيجية» يذكرون «عقد اللآلئ»، للكناية عن تنامي نقاط نفوذ الصين في آسيا وأفريقيا، وضرورة مواجهتها أمريكياً، الأمثلة تشمل محاولة مسلحين، مدعومين أمريكياً، للتخلص من منشآت الصين النفطية في مقاطعة «بالوشيستان» في باكستان، وأيضاً حادثة ميناء «راخين» في ميانمار، الذي كان فيه ميناء صيني تجاري ونفطي، والزعيم المتطرف «سو كايه»، رمز الديمقراطية المحبَّب لدى الأمريكيين، الذي ارتكب مجزرة مفزعة تسببت بموجة من الصدامات العرقية والطائفية.
والحالة السودانية لا تختلف أبداً. فالصين اليوم تعتبر العملاق الاقتصادي الذي يتوسع بنفوذه سريعاً جداً في أفريقيا، والعلاقات السودانية الصينية كانت دوماً جيدة، على عكس العلاقات السودانية الأمريكية، وكذلك كانت وماتزال العلاقات الصينية مع دولة جنوب السودان، فمخططات مشاريع بناء البنية التحتية، التي تعهدت بها الصين ما تزال قائمة، لكنها توقفَّت اليوم بسبب الاضطراب الأمني، إذاً، مجدداً، وبمحض المصادفة، تنشأ حوادث العنف في مناطق النفوذ الصيني أو الروسي أو الإيراني أو غيرها، وتكون الولايات المتحدة جاهزة كلياً، وبسرعة قصوى، للتدخل عسكرياً وسياسياً لتأمين سيطرتها الاقتصادية، وهذا ما يحدث فعلاً اليوم في جنوب السودان، فبعد أسابيع من نشوب المواجهات والدعوة للانقلاب، كان أبرز ما حدث أن نتج عنه تعطيل جزء كبير من الآبار النفطية الجنوبية، والتي تستثمر معظمها الصين، وقامت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأوغندا بإنزال قوّات بريّة على أرض جنوب السودان، لحماية المصالح الأمريكية والثروة النفطية..!
لماذا التمييز بين الصين والولايات المتحدة؟
الصراع هنا لا يخرج عن القانون العام، الصراع دوماً هو صراع على الثروات، وبالتالي النفوذ والقوة النابعة عن تملك الثروات، والصين والولايات المتحدة في صراع علني، وسباق واضح، منذ عقود على ثروة القارة المنكوبة أفريقيا.
يصر الكاتب والمحلل «أبايومي أزيكيوي» على التمييز بين الدور الصيني والدور الأمريكي في أفريقيا: «التمييز بين الدورين حتمي، فالصين لم تكن يوماً صاحبة نهج العبودية والاستعمار، على العكس، الصين دعمت، وبقوّة، حركة التحرر الوطني في بلدان أفريقية عدّة، أبرزها كان زمبابواي والموزنبيق، وتختلف الصين حتماً عن التوجّه الاقتصادي الأمريكي والغربي، الذي حوّل ملايين الأفارقة لفئران تجارب لدى شركات الأدوية، في حين أن كل المشاريع الصينية هي حصراً إنتاجية أو بناء البنية التحتية والمشافي والجامعات».
يبدو واضحاً أن تجليّات هذا الصراع الصيني ــــ الأمريكي ليست جديدة ولا مفاجئة، ولكنها أخذت تتسارع أكثر بالظهور بسبب ارتباط عملية التراجع الأمريكي بكل اشتقاقات ذلك الوزن الأمريكي ومراكز نفوذه، بالتالي يكون المنطقي توقّع المزيد من الحروب الأمريكية بالوكالة في القارة الأفريقية خصوصاً. وبالمقابل، المزيد من التوسع للعملاق الصيني.