البنية التحتية احتكار طبيعي للدولة
تطلق مستجدات الواقع أبواق التحذير من خطر الاتجاه النيوليبرالي في الاقتصاد السوري مراراً وتكراراً، لكن دون جدوى، فهذا النهج ما يزال العنوان اليومي للقرارات والتوجهات الحكومية..
تطلق مستجدات الواقع أبواق التحذير من خطر الاتجاه النيوليبرالي في الاقتصاد السوري مراراً وتكراراً، لكن دون جدوى، فهذا النهج ما يزال العنوان اليومي للقرارات والتوجهات الحكومية..
تقوم التجارة الداخلية بدور هام في الاقتصاد الوطني، حيث تؤمن إيصال السلع والبضائع من مصادر الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك، وبالتالي تربط بين المنتج والمستهلك. وهي وظيفة اقتصادية ضرورية في المجتمعات كافة بغض النظر عن أنظمتها الاجتماعية والسياسية.
ما تزال معارك الإصلاح التشريعي مستمرة في سورية، وشهدت السنوات الماضية صدور عشرات القوانين والمراسيم الجديدة، التي تلمس الناس فيها الكثير من الدلالات والتوجهات لقلب الأوضاع الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية في البلاد، وكان الاتجاه العام يسير نحو دفع الاقتصاد السوري للانفتاح على عوالم «القطاع الخاص والاستثمارات الكبرى والتشاركية»، ودفع المجتمع السوري إلى «فضاء العالم الحر».
من المعروف أن سورية كانت قد قدمت طلباً رسمياً للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بتاريخ 22/10/2001، وتم تجديد التأكيد على طلب الانضمام بتاريخ 29/1/2004، هذا بالإضافة إلى تشكيل وزارة الاقتصاد والتجارة اللجان الأربع (المشهورة) للتحضير داخلياً للانضمام المزمع بتاريخ 18/4/2002، كما تم تجديد هذه اللجان بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1006 تاريخ 6/3/2007، وهي تجدد رغبتها وطلبها للانضمام بين الحين والآخر، حتى بات هذا الانضمام الهاجس الحكومي السوري الدائم ذكراً وتذكراً على لسان وزارة الاقتصاد والتجارة، وكان آخر إشارة لذلك قد وردت في إعلان معاون وزيرة الاقتصاد والتجارة خالد سلوطة إعداد مذكرة الانضمام الرئيسية لمنظمة التجارة العالمية التي نظمتها وزارة الاقتصاد والتجارة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك بعد سلسلة الخطوات وصدور العديد من القرارات والإجراءات التي تصب في اتجاه تحرير التجارة الخارجية وتقليص الرسوم الجمركية وإزالة كل العقبات التي تعيق عملية الانضمام المزمعة، حتى ولو كانت مؤذية، بل ومذلة للاقتصاد السوري الباحث عن هوية.
«..عملية الإصلاح الجارية أثمرت نتائج مرضية، والتي ظهرت من خلال زيادة معدل النمو والناتج المحلي الإجمالي، وزيادة حصة الفرد منه، وتخفيض معدل البطالة، وتوفير فرص العمل، وزيادة عدد وحجم المشاريع والتوظيفات الاستثمارية المحلية والعربية والأجنبية، وزيادة حجم الصادرات السورية إلى الأسواق الخارجية..»..، بهذه الكلمات وصّف رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد ناجي عطري نتائج السياسات الحكومية الجارية، على الرغم من أن أرقام المكتب المركزي للإحصاء والتقارير الصادرة عن جهات حكومية أخرى تحد من صدقيتها وواقعيتها!.
خصصت جمعية العلوم الاقتصادية السورية ندوتها الأخيرة يوم الثلاثاء 2/3/2010 لبحث «إخفاقات التنمية الإقليمية في سورية»، وتولى التصدي لهذا المحور الذي يعدّه الاقتصاديون من أهم القضايا في الاقتصاد الوطني، الدكتور رسلان خضور، الذي بدأ محاضرته بالتأكيد على أهمية التنمية الإقليمية على خارطة التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع والاقتصاد السوريين، ورأى أن التنمية الإقليمية في سورية منيت بإخفاقات عديدة، كونها لم تحقق نجاحات متميزة في مجال التنمية المحلية والإقليمية..
حظيت الخطة الخمسية العاشرة بنقاش وجدل كبيرين لم تشهدهما أية خطة خمسية سابقة، سواءً في طبيعة توجهاتها، أو في النتائج المرتقب تحقيقها منها، فكما كانت نتائج الخمسية التاسعة أرضية للخطة العاشرة، ستكون الخطة الحالية كذلك أرضية للحادية عشرة، وهذا يدفعنا للتساؤل، هل ستسلم الخطة الخمسية الحالية للخمسية التي تليها واقعاً أفضل مما استلمته هي، أم أن هذا الواقع سيكون أسوأ مما كان عليه في السابق؟ لتكون بذلك السنوات الخمس الماضية عبئاً على الاقتصاد السوري، لأنها أعادت عجلته إلى الوراء، ليقال لمخططيها ومنفذيها: «كأنك يا أبو زيد ما غزيت»، أو بالأحرى ليتك ما غزيت، خصوصاً وأن كبار منظري ومنفذي الخطة الخمسية بدؤوا يتملصون من النتائج، وعلى رأسهم النائب الاقتصادي بقوله: « لا يمكن لمس نتائج الخطة الخمسية العاشرة أو حتى التي تليها على أرض الواقع في جميع القطاعات بشكل مباشر»... إذاً، هؤلاء المتفائلون الذين أرهقوا أحلام الشعب السوري بوعودهم المؤكدة أن الخطة الحالية ستساهم بتحسين المستوى المعيشي والاقتصاد السوري على حد سواء، (طلعوا فافوش)..
تثقيلات سلة الاستهلاك المعتمدة لدى المكتب المركزي للإحصاء لم تعد تعكس واقع الاستهلاك الحقيقي لدى المواطن السوري، لكونها تتعامل مع بعض السلع على أنها هامشية، بينما التطور الحالي حوّلها لإحدى متطلبات الحياة الأساسية، و تصرّ سلتنا الاستهلاكية على اعتبارها ثانوية..
وقد بين د. عابد فضلية الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق بهذا الخصوص، إلى أنه يجب إعادة النظر في تثقيلات سلة الاستهلاك الحالية، وذلك في ضوء مستوى الأسعار الجديد من جهة، وفي ضوء الاحتياجات الجدية للمواطن التي لم تعد مقتصرة على مكونات السلة النافذة حالياً من جهة أخرى، مؤكداً أنه يجب إدخال خدمات أخرى إلى السلة لم تكن موجودة كالاتصالات الحديثة ومصاريف الانترنت والسوفت وير وأجهزة التعليم والتعلم، وتكاليف المدارس والتعلم في الجامعات.
حماية المنتج الوطني (الحمائية)، ضرورة تفرض نفسها على الساحة الاقتصادية عند احتدام المنافسة مع منتج أجنبي أقل ثمناً وأكثر إتقاناً في أحيان كثيرة، وذلك منعاً لحدوث الإغراق، وإخراج الإنتاج الوطني من سوقه الطبيعية (السوق المحلية)، وهذا ما تفعله أكبر الاقتصادات العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، الصين، لحماية منتجها الوطني (سواءً في القطاع العام أو الخاص)، عند تعرضه لخطر المنافسة، عبر فرض رسوم جمركية تصل إلى 400% على بعض المستوردات المنافسة. فكيف يجب أن تكون هذه الحمائية بالنسبة للاقتصادات الصغيرة إذاً، ونحن إحداها؟!
يبدو أن رياح تدفق الاستثمارات الأجنبية لم تسر بالاتجاهات التي أرادتها الحكومة السورية، لأن هذه الرياح «الخفيفة» لم تستقطب سوى 1,85% من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى الدول العربية، حيث أكد التقرير الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات حلول سورية في المرتبة الحادية عشرة بين 18 دولة عربية لجهة استقطاب التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة خلال عام 2009، وتبلغ قيمة تلك التدفقات 1.5 مليار دولار، في حين استقطبت الدول المشمولة بالتقرير نحو 80.7 مليار دولار خلال عام 2009.