الإشاعات «تهجّر» سوريين من منازلهم.. وصمت «الرسمي» يكرّسها أحياناً!
تتجول كاميرات التلفاز السوري الرسمي بين الشوارع الرئيسية لمدينة دويلعة كي تلتقط صوراً حديثة للحياة اليومية لسكان تلك المنطقة، بعد أن نزح في الأيام الماضية عدد كبير من سكانها، في محاولة لطمأنة الناس بأن الحياة عادت إلى طبيعتها. هذا الإجراء درج في الأزمة السورية حيث اعتمدته وزارة الإعلام كوسيلة للرد على الإشاعات.
لم تعد جملة «ضبوا الشناتي» نكتة يتداولها السوريون فيما بينهم، بل باتت واقعاً يعيشه معظم السوريين، حيث لا توجد عائلة سورية تعيش بالقرب من المناطق المشتعلة إلا وتحتفظ بما تبقى من أوراق رسمية ومدخرات وأطعمة في حقيبة جاهزة للحمل في أي لحظة.
«ضبوا الشناطي»!
تقول «سهير»، التي تسكن في منطقة الزاهرة الجديدة التابعة لمدينة دمشق، «كنت أسكن في منطقة يلدا، وكنا نسمع أصوات القتال من حولنا لكننا لم ندرك أننا سنخرج من منازلنا على غير هدى. فقد كنا نسمع عبر بعض المحطات عن اقتراب المسلحين من منطقة سكننا، وكان البعض من الجيران يتحدث عن نشر المجموعات المسلحة إنذارات على صفحات التواصل الاجتماعي يطلبون فيها من المواطنين الخروج من منازلهم».
وتتابع حديثها قائلة «نحن لم نصدق تلك الشائعات، لكننا تفاجأنا فيما بعد باشتداد المعارك حولنا ثم اضطررنا للنزوح نهائياً عن منزلنا، ولم نحمل معنا سوى عدد قليل من ثياب الأطفال. وبقينا نعيش على أمل أن نعود بعد أسبوع أو بعد شهر؛ وفي كل مرة كان يتم الحديث فيها عن هدنة أو عودة قريبة إلى منازلنا كنا نتحمس ونجهز أنفسنا وحاجياتنا لكننا بعد مضي أكثر من سنة على خروجنا لم نعد نصدق تلك الإشاعات».
الجولان والمخيم والعودة
دفعت الإشاعات التي روجت في الفترة الماضية حول حصول هدنة في مخيم اليرموك بعدد كبير من سكان المخيم إلى التوافد نحو حاجز «البطيخة» والانتظار لساعات طويلة ولكن دون أي جدوى.
أحد عشر يوماً متواصلة و«أم حازم» تأتي في الصباح وتضع ربطة الخبز وعبوة ماء وكيس بلاستيكي يوجد فيه بعض الثياب. ولا تغادر حاجز «البطيخة» إلا بعد أن يأمرها عناصر الحاجز بالمغادرة.
تقول أم حازم «يرفض أولادي السماح لي بالحضور إلى الحاجز ويقولون إننا لن نعود وكل الأخبار التي تتحدث عن العودة إلى المخيم هي مجرد إشاعات، لكني مع ذلك أشعر بالأمل يتجدد مع كل إشاعة وسوف أبقي أمتعتي محزومة من أجل العودة إلى المخيم».
جرمانا و«فوبيا الإشاعة»
نقل عدد كبير من سكان جرمانا صورة الهلع التي دبت في المدينة بعد توافد عدد كبير من سكان المناطق المجاورة كدويلعة وكشكول والدخانية والكباس إلى مدينتهم.
وفي هذا السياق تقول «لارا»، طالبة الأدب الإنكليزي- سنة ثالثة، «حدثتني والدتي عبر الهاتف وطلبت مني عدم العودة إلى جرمانا، ومحاولة تأمين منزل للعائلة لأن الوضع سيئ وهناك احتمال كبير بنزوح أهلي من جرمانا».
وتتابع حديثها قائلة «عندما حاولت أن استأجر سيارة تكسي والتوجه إلى جرمانا رفض السائقون أن يقلوني إلى جرمانا لأن الوضع كما كانوا يقولون لي سيئ جداً. وفي المساء هدأت كل تلك الضجة؛ لكني لا أنكر أن هذه التجربة ساهمت في زرع الخوف في داخلنا جميعاً وبتنا نصدق أي كلام بعد أن اعتدنا على السقوط الدائم للقذائف، وكنا نستغرب إذا لم تسقط قذائف على جرمانا».
شائعات متناقضة
تم استخدام لعبة إسقاط مدن أو تحريرها أو تطهيرها على شاشات الفضائيات العربية أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. حيث كانت تنتشر الأخبار عن سقوط مدينة أو بلدة أو حتى حاجز ما هنا أو هناك. وبالتوازي معها كانت وسائل الإعلام تضخ التصريحات والتحليلات المتناقضة لتؤيد كل واحدة منها رواية من الروايات.
وعن ذلك يقول أحد المختصين بعلم الاجتماع فضل عدم ذكر اسمه «إن أهمية الإشاعة تأتي من غموضها، حيث يتم بثها من قبل جهات مجهولة تجيد الترويج لها. وفي الأزمة السورية لوحظ بطء الإعلام الرسمي في الرد أو التصدي لمثل هذه الشائعات مما أكسب الجهات التي تبثها دوراً في تعكير الأجواء».
لعبة الليرة وغياب الشفافية
لا يخفى على أحد التأثير السلبي للإشاعات وانعكاساتها على الليرة السورية التي وصلت إلى سعر صرف قياسي مقابل الدولار الأمريكي. ولكن رغم ذلك كنا نشهد انخفاضاً نوعاً ما في سعر الصرف في السوق السوداء عندما كان يتم تناقل أخبار حول إمكانية قيام المصرف المركزي بضخ كمية معينة من الدولار في الأسواق، لكن هذا الأمر لم يحدث في الأيام الماضية.
وبدوره يقول الخبير المالي الدكتور محمد وائل حبش «إنه لم يكن موجود في السنوات الماضية قبل الأزمة السورية وخلالها شفافية اقتصادية واضحة يبني من خلالها المواطن السوري ثقته بالسلطات المالية المختصة، فبناء مثل هذه الثقة يحتاج إلى سنوات، يتمكن من خلالها المواطن العادي إلى التصدي للإشاعات والرد عليها، ولكن كوننا نفتقد لهذه الثقة فإننا نلحظ ردة الفعل عليها من خلال سعر صرف السوق السوداء الذي لم يعد يتأثر بأخبار التدخل من قبل المركز المصرفي. بل أن الأيام الأخيرة شهدت ارتفاعاً كبيراً في سعر صرف السوق السوداء لم يكن متوقعاً».
ويضيف حبش «إن اعتمادنا على الأخبار التي تنتقل عبر السمع أكثر من اعتمادنا على قراءة الأخبار من مصادر موثوقة ساهم كثيراً في انتشار الإشاعات وانعكس ذلك سلباً على حياتنا اليومية بشكل عام وعلى الاقتصاد بشكل خاص».
مَنْ يقف وراءها؟
يقول المختص بالدراسات الاجتماعية شادي العمر «إن الإشاعة ظاهرة اجتماعية قديمة جداً، ظهرت مع ظهور المجتمعات الإنسانية وتطورت مع تطورها»، ويضيف «هي عبارة عن خبر لا يمكن التأكد منه أو نفيه لحظة وروده، وعادة ما تكون ذات مضمون غامض وحساس ومهم وقد تكون الإشاعة بيضاء أو سوداء وذلك حسب الغرض الذي تبث من أجله أو حسب الجهة التي قامت ببث الإشاعة. وعادة تقوم مراكز القوة والقيادة والسيطرة باستخدام الإشاعة كنوع من أنواع الدعاية كأن تبث قيادة ما أخبار انتصارات لها بين مناصريها من أجل رفع المعنويات وتحقيق ثبات أكبر».
وأردف قائلاً «عادة ما يتم استخدام الإشاعات السلبية أو السوداء في الحروب من قبل الأطراف المتحاربة وذلك من أجل تحطيم معنويات الخصوم فنحن جميعنا مهيئين للتأثر بالإشاعة وذلك حسب مضمونها وبحسب حالتنا النفسية وموقفنا لحظة سماع الإشاعة».
دور دون المستوى
ويتابع العمر «هناك عدد من العوامل تساعد على انتشار الشائعة منها التوتر النفسي العام وسوء الأوضاع الاقتصادية و الأمنية والنفسية فالإشاعة قد تكون أحياناً جزءاً من رغباتنا أو جزءاً من مخاوفنا. كما أن سرعة انتقال الإشاعة في وقتنا الحالي عبر وسائل التواصل والاتصال ساهم في انتشار الإشاعة وجعل تأثيرها أكبر وخاصة في ظل تأخر الجهات الحكومية الرسمية والإعلام الرسمي في عملية التصدي للإشاعة، التي يجب أن نكون محصنين نفسياً بشكل جيد كي نتمكن من التصدي للإشاعة التي تحتاج إلى تفكير عقلاني ومنطقي كي نتمكن من تفنيدها وبالتالي نفيها لأن معظم الإشاعات تحمل أخباراً كاذبة ومبالغاً بها وعند التفكير جيدا بهذه الإشاعة سنتمكن من نفيها. لكن في الحروب يتم استخدام إشاعات مصاغة بشكل جيد ومتقن وهذا الأمر يتطلب وجود فرق مختصة للرد على هذه الإشاعات وبالتالي نفيها وطمأنة المواطنين عبر بث الأخبار الأكيدة».
ويبقى المواطنون في حيرة من أمرهم، حيث وجدت الإشاعة مكاناً خصباً في ظل الأزمة السورية وتداعياتها كي تنتشر وتتحول إلى مصدر «حقيقي» للأخبار تتحكم بالحياة اليومية للمواطن السوري.