حصيلة التنمية الاقتصادية البورجوازية المالية والعقاريون يحصدون النتائج

حصيلة التنمية الاقتصادية البورجوازية المالية والعقاريون يحصدون النتائج

إن دراسة أولية لموارد سورية الطبيعية الزراعية، وعلى رأسها المياه، تُبيِّنُ أنه مازالت هناك طاقات كامنة كبيرة غير مستثمرة يمكن في حال استغلالها بالشكل اللازم والمبرمج، وحمايتها من الهدر والضياع، أن تؤمن لسورية كامل احتياجاتها من السلع الزراعية، وتوفر أمناً غذائياً على مستوى السلع الإستراتيجية كافة.

الوقائع تقول إن الاحتياجات النظامية للقطاع الزراعي من المياه  تشكل أكثر من 40% من إجمالي الواردات المائية، وهذا يعني أنه مازال هناك قدر كبير يقدر بـ60% من الموارد المائية غير مستثمر.

 

ضياع دائم

لم تلحظ الخطة الخمسية العاشرة، ولم يرد في الخطة الخمسية الحادية عشرة التأكيد على حصر الموارد المائية السطحية والجوفية بشكل دقيق في مختلف الأحواض المائية، أو تصنيف تربة الأراضي بالمقياس المناسب مع بيان درجات صلاحيتها للزراعات المختلفة، بالتكامل مع الظروف البيئية والموارد المائية، ولم تُرسَم سياسات صحيحة في مجال التخطيط الزراعي واستعمالات الأراضي وتحديد الزراعات المناسبة لمواصفات التربة.

ولم تتم الاستفادة على المستوى التخطيطي والاستثماري من دراسات الأحواض المائية التي تمت منذ أكثر من 20 عاماً لحصر الموارد المائية وما تضمنته من مقترحات مستقبلية وخطط استثمارية، بسبب غياب البرامج المتخصصة والسياسات المسؤولة عن متابعة الواقع المائي وتطوره في كل حوض، وبالتالي اقتراح الخطط الاستثمارية المتكاملة بما يتناسب والموازنة المائية.

الأمن الغذائي أين؟

هذا القصور أدى إلى ضرب القطاع الزراعي في سورية، والحقيقة تقول إن ما جرى وما يجري في القطاع الزراعي ليس قصوراً وإنما عن سابق قصد وتصميم من الحكومة، التي تعتبر أن مشكلة الغذاء والأمن الغذائي ليست قضية هامة وأساسية أمام الانتقال إلى الليبرالية، واعتبار السياحة والخدمات قاطرة النمو (كما تقول تصريحات الفريق الاقتصادي في الحكومة).

تقرير المكتب التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات العمال إلى مجلس الاتحاد الأخير رصد الواقع الذي تحدثنا عنه وأشار إلى نقاط هامة، منها:

1ـ نمت المشاريع العقارية والسياحية التي بلغت خلال فقط العامين الماضيين بحدود 750 مليار ل.س، أي ما يعادل 75% من مجمل الاستثمارات التي وُظِّفت في الاقتصاد، في حين مازال قطاع الصناعة يعاني بقطاعيه العام والخاص من جملة الهموم والمشكلات التي تبعده عن المساهمة الفاعلة في العملية الاقتصادية. ويضاف إلى ذلك تردي حال القطاع الزراعي، والذي انكشفت حالته عبر الجفاف الذي لحق بهذا القطاع خلال العاميين الماضيين، ليكشف أو ليطرح سؤالاً جوهرياً حول الخطط ومشاريع الاستصلاح الزراعي ومسألة تحقيق الأمن الغذائي بعيداً عن تحكم الطبيعة بمقدرات مواسمنا، التي تعرضت للخطر جراء التراخي في تحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة، وتحسين حالة وحدات المساحة ولاسيما المزروعة قمحاً. وحسب مصادر الحكومة فإن قطاع التأمين والمصارف نما بمعدل 30%، ودعونا نفترض أن باقي القطاعات الخدمية نمت بمعدل 20% فإن ذلك يعني أن قطاع الإنتاج السلعي، الزراعة، الصناعة والبناء، قد حققت معدلات نمو سالبة كبيرة لا تقل عن -20%.

نمو الطفيلية

وهذا يعني أن النمو الذي تحقق كان ناجماً عن نمو قطاعات هامشية على حساب الاقتصاد المنتج، وهو ما يدفع إلى التأكيد على أن الاقتصاد السوري الذي أريدَ له أن يكون اقتصاداً منتجاً متنوعاً على قاعدة التعددية الاقتصادية ودعم الصناعة والزراعة، بات أقرب ما يكون إلى كونه اقتصاداً ريعياً معتمداً على قطاع الخدمات كالسياحة والمصارف والتأمين والعقارات، وهذا يعني أن النمو الذي تحقق، إن كان قد تحقق فعلاً، لا يخدم أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولا يعالج مشكلتي الفقر والبطالة المتفاقمتين.

على حساب الفقراء

لم يترافق النمو المتحقق وفق تصريحات الحكومة إلى توزيع عادل لهذا النمو، بمعنى أن الشرائح الواسعة من أبناء المجتمع لم تستفد من هذا النمو، بل على العكس، فقد تحقق هذا النمو على حساب أصحاب الدخول المحدودة, فقد ارتفعت أسعار المساكن بنسبة 40% على الأقل والإيجارات نسبة 50% والمواد الاستهلاكية 40% كما ارتفع معدل البطالة وارتفع معدل الفقر وبلغت حصة الرواتب والأجور من الدخل القومي 38% مقابل 62% للأرباح والريوع.

تحليل اتحاد العمال يقارب الواقع وهو بالأحرى يقدم حقائق وليس تحليلاً بمعنى التحليل، لأن نتائج الخطة الخمسية العاشرة والتوجهات الاقتصادية للفريق الاقتصادي تتجه الآن بعد خمس سنوات نحو التبلور، وأهم مؤشراتها التفاوت الطبقي الشاسع والانحياز المكشوف في سياسة الحكومة لمصالح القلة، أي أنه في عقود سابقة كانت هناك عوامل كثيرة أضعفت نفوذ ودور قوى اجتماعية معينة، وظهرت الآن قوى اجتماعية جديدة مثل البرجوازية المالية، وقد تحددت سماتها «العقاريون والكومبرادور والبورجوازية البيروقراطية» واستولت على الريوع العقارية والمالية وسرقت ونهبت شركات ومؤسسات القطاع العام.

وفي الجانب الآخر هناك تبلورٌ واضح، ظهور فئات واسعة من العمال المأجورين الذين يقفون في الساحات العامة بانتظار العمل، بالإضافة إلى البطالة التي تكبر عاماً بعد عام، وتوجيه أو نقل عمال الشركات المتوقفة في القطاع العام نحو نشاطات غير منتجة، وتأطير طاقاتها وإمكانياتها في نشاطات خدمية رخيصة.

أمام هذا الواقع، أليس من العبث أن نطالب بدعم القطاع الزراعي، ودعم القطاع العام من الحكومة؟!!