الليرة السورية.. أٌقوى «الضربات» من «الحماة»!

الليرة السورية.. أٌقوى «الضربات» من «الحماة»!

يعم «الوئام والاستقرار والود» صفحات الأخبار الرسمية التي تنقل على لسان حاكم مصرف سورية المركزي أديب ميالة، تعليقه حول جلسة التدخل الأخيرة المعقودة بتاريخ 21-7-2014، والتي عرض خلالها المصرف المركزي عشرين مليون دولار جديدة لسوق الصرف،

التي لم تشتر أيا من القطع الأجنبي المعروض في هذه الجلسة، حيث أتت هذه الجلسة بحسب ميالة (ترجمة للأجواء والأصداء الايجابية) و (تحسن الوضع الامني)! وغيرها من جمل (الطمأنة) المنطلقة من محدد ضيق جداً، لتسويق انتصار سياسة المصرف المركزي، انطلاقاً من ثبات سعر الصرف خلال شهر كامل!!

يتباهى القائمون على السياسة النقدية بحمايتهم للعملة الوطنية، مستشهدين بثبات رقم سعر الصرف قريباً من 160$ مقابل الليرة السورية الواحدة، ومتجاهلين بالمقابل، أن هذه الليرة السورية الواحدة خلال الأسبوعين الأخيرين فقط، أي منذ 9 تموز-2014 مع رفع سعر الخبز أصبحت أقل قدرة على شراء الخبز، والسكر والأرز، وحتى المياه! أي فقدت من قدرتها على شراء أقل المواد الغذائية سعراً، وأكثرها ضرورية.

فالليرة السورية تلقت أقوى (ضرباتها) من (حماة الليرة) المفترضين ، الذين رفعوا أسعار المواد الأساسية.. والسوق هي أهم  المستفيدين. ومع ذلك يكافئ القائمون على السياسة النقدية أنفسهم، (بتمادي) جديد في إجراءات حرية بيع وشراء القطع الأجنبي وتقديمه للسوق!..

 

(المركزي): مكافأة (تحرير).. لفشل سياسة (التثبيت)!

تنطلق سياسة القائمين على المصرف المركزي السوري المعلنة خلال الأزمة، من ضرورة تثبيت سعر الصرف، لحماية الليرة، وعلى الرغم من أهمية التثبيت، (حيث يدفع المستهلكون ثمن تغيرات قيمة العملة الكبرى، ويغنم المضاربون) إلا أن تقييم السياسة لا يأتي من هذا المعيار الضيق جداً والقابل للتغير في أي لحظة مع ظروف التصعيد والاضطراب الأمني المستمرة.

 

(التثبيت): من 55 إلى 150 !

حيث يقيم المصرف المركزي أداءه من خلال ثبات سعر الصرف في السوق، وتراجع حجم المضاربة على الليرة،)!.وسياسة (التثبيت فقط) فشلت حتى من منطلق محددها الوحيد. فإذا ما أخذنا سعر الصرف الرسمي، نرى ارتفاعه خلال أعوام الأزمة، المتسارع واللاهث دائما  باتجاه سعر السوق لينتقل من 55 في نهاية عام 2011، إلى 150 في الشهر السابع من عام 2014، فهل كان هذا الأداء الأفضل؟!

 

الضخ .. (3-0) للمضاربين!

ويتجاهل التقييم نتائج طريقة ضخ القطع الأجنبي للسوق كحل وحيد، حيث في كل مرة  (شطح) سعر السوق السوداء، كانت سياسة السعي إلى إعادته لمستوى أخفض، تتم  بإعطاء السوق المزيد والمزيد عن طريق الضخ ليرتفع سعر الصرف الرسمي بعد كل (موجة رفع)، وينخفض سعر السوق قليلا فقط، ويحصل المضاربون على كميات كبيرة من احتياطي القطع الأجنبي السوري. 

وهكذا تكون النتيجة (3-0) للمضاربين، فهم حصلوا على القطع الاجنبي الذي باعه المركزي، ورفعوا كل من سعر الصرف الرسمي وسعر السوق إلى مستوى أعلى جديد. بل وامتلكوا مزيداً من القدرة على إعادة الكرّة! أي أن طريقة الضخ هي استجابة للسوق، وتحفيز لها لتعيد الرفع من جديد.

 

مزيد ومزيد من التسهيلات!

يبدو أن أجواء (الانتصارات والزهو المفرط)، تنتقل إلى المصرف المركزي، الذي يصعد في (اطمئنانه) إلى استقرار سعر صرف الليرة السورية، ويرى على ما يبدو أنه لم يعد من خطر يضطره إلى تقييد سوق الصرف -التي هددها وتوعدها كثيراً مع كل مضاربة على قيمة الليرة، مقدماً لها بالمقابل جزءاً هاماً من احتياطي القطع الأجنبي السوري-، حيث أعلن الحاكم عن مكافأته لليبراليي الاقتصاد السوري، وللسوق باستكمال تحرير السياسة النقدية، وإزالة العراقيل أمام حركة السوق وتحكمها، بأن (مصرف سورية المركزي سيبدأ وبشكل تدريجي بتفكيك وازالة العديد من القيود المفروضة على التعامل بالقطع الأجنبي).

فعلى الرغم من أن التصريح يشير إلى طيف واسع وخطير من الإجراءات المحتملة، إلا أن المصرف المركزي يقتصر حتى الآن، بمنح المزيد القادم من إجراءات التحرير النقدي،  لشركات ومكاتب الصرافة، وللتجار المستوردين، ولبيع الدولار للأشخاص دون ضوابط بمبلغ أقصاه 500 دولار شهرياً.

 

هل قُيدت السوق .. لتُحرر؟!

إن الإجراء الوحيد الذي صنف ضمن إطار ضبط سوق الصرف، كان سياسة ترشيد الاستيراد، والذي اتخذ جزئياً خلال الأزمة، وكان الدافع  الحكومي المعلن لهذه السياسة، هو أن تمويل مستوردات التجار بالقطع الأجنبي أدى بجانب منه إلى وصول جزء هام من القطع الاجنبي إلى  السوق السوداء، حيث استخدم القطع الاجنبي الخاص بالاستيراد، للمضاربة على الليرة السورية في السوق. لم يعاقب هؤلاء التجار، وانتهينا اليوم بتراجع عن سياسة الترشيد، حيث ارتفع وسطي تمويل المستوردات من 3,5 مليون دولار يومياً (يقدمها المصرف للتجار ليستوردوا)، إلى 10 مليون دولار يومياً، وصولاً إلى تأكيد (ميالة) الأخير: (التزامه بمواصلة تمويله لكافة طلبات الاستيراد المقدمة إليه عن طريق المصارف المرخصة وبسعر تمييزي.‏)

 

3,65 مليار $ (حرة) خلال عام!

إذاً وصلنا إلى تمويل كافة طلبات الاستيراد دون حد يومي، وتسهيل تمويلها من خلال شركات ومكاتب الصرافة حيث أكد الحاكم التالي: (البيع للمستوردين بشكل مباشر دون أية سقوف وبضوابط ميسرة تقتصر على فاتورة وصورة هوية وسجل تجاري).

إذاً أصبحت شركات الصرافة قادرة على تمويل المستوردات، التي كان جزء هام منها يتحول للسوق السوداء، عن طريق صورة هوية، فاتورة، وسجل تجاري، ودون أي حد!

ونحن نتكلم عن مبالغ سنوية تقديرها الوسطي 3,65 مليار دولار = 584 مليار ليرة سورية.

وهو محسوب بناء على وسطي 10 مليون دولار يومياً، تمويل المركزي لمستوردات التجار. أما لمن يتساءل عن سبب التمويل، فمبرر الحكومة أن هذا التمويل لدولار المستوردين، يجب أن يقابله تخفض أسعارهم في السوق! أي أنه (طريقة دعم)! والتجربة تتكفل بالرد.

 

500-900 مليون $ للشركات!

سمح المصرف المركزي لشركات الصرافة بأن تحتفظ بنسبة 20% من القطع الأجنبي الوارد من الحوالات المرسلة إلى الداخل، والمقدرة في تصريح لحاكم المصرف المركزي، بمبلغ يومي 1,5- 2,5 مليون دولار يومياً. باعتبار أن الحوالات الوارد يومياً تفوق 8 مليون دولار.

واليوم عوضاً عن الاحتفاظ غير المشروط بهذا المبلغ، يلزم المصرف شركات الصرافة ببيع مبلغ الـ 20% للأشخاص، وللتجار دون سقف، أو لشركات الصرافة الأخرى.

وللتذكير فإن هذا المبلغ يقدر بـ 547 مليون $- 912 مليون $ سنوياً= (88 مليار ل.س – 146 مليار ل.س) بسعر الصرف 160 ل.س/$.

 

فشل في حماية الليرة ونجاح في الهدر

إن فشل أو نجاح السياسة الاقتصادية، والنقدية من ضمنها، بحماية العملة الوطنية، يقيم بقيمة الليرة الحقيقية. فكيف تستطيع الحكومة أو المصرف المركزي أن يعلن نجاح حماية الليرة وأن (يزهو بالنصر)! مترافقا مع سياسة رفع الأسعار وتخفيف تكاليف الحكومة، والتي جعلت الليرة بيد السوري تشتري خبزاً، سكر، أرز، حتى مياها أقل؟! كيف يستطيع أحد أن يدعي ان السياسة الحالية تحمي الليرة السورية، وهي تقلل من الغذاء القليل الموجود على موائد السوريين، وتقلص قدرة أجورهم إلى الحد الأدنى لتغطي جوانب ضئيلة من متطلبات المعيشة!.

إن معياراً أوضح وأكثر عمقاً لحماية الليرة، ينطلق من الفجوة بين حاجات الأسرة ومستوى دخلها. فكيف تكون حاجة الأسرة من خمسة أشخاص أكثر من 90 ألف ل.س قبل موجة الرفع الأخيرة، والأجر المتوسط 20 ألف، وتكون الليرة محمية! إن تقليص هذا الفارق الكبير، هو الذي يقيم السياسة الاقتصادية إن كانت تحمي العملة الوطنية، أم تهينها بإهانة كرامة أغلب السوريين.