مذكرات تفاهم مع شركات أمريكية تثير الجدل
أعلن الرئيس التنفيذي للشركة السورية للنفط، يوسف قبلاوي، عن استعدادات لتوقيع عقود مع شركتي طاقة أمريكيتين، في خطوة قال إنها تأتي «ضمن رؤية شاملة لإعادة رسم خريطة الطاقة في سورية».
وأوضح قبلاوي، على هامش فعاليات المعرض السوري الدولي السابع للبترول والطاقة والثروة المعدنية «سيربترو 2025»، الذي عُقد منتصف تشرين الثاني الماضي، أن هناك «بداية تعاون جديد مع شركة شيفرون، إضافة إلى استعداد شركة كونوكو فيليبس لتوقيع عقود مهمة داخل البلاد».
غير أن السجل الحافل بالجدل لهاتين الشركتين يطرح تساؤلات جوهرية حول هذا التوجه، والمخاطر المحتملة التي قد تترتب عليه في ظل اقتصاد سوري هش، فضلاً عن آثاره بعيدة المدى على السيادة الوطنية وإدارة الموارد الطبيعية.
فساد وتهرّب ضريبي
تكشف قضية شركة «كونوكو فيليبس» في فيتنام نموذجاً صارخاً لآليات التهرب الضريبي، ولا سيما في الدول النامية. فقد رفعت الشركة دعوى استباقية ضد الحكومة الفيتنامية عبر آلية «معاهدة الاستثمار الثنائية» التابعة للأمم المتحدة، بهدف منع فرض ضريبة أرباح رأس مال قُدّرت بنحو 179 مليون دولار، على صفقة بيع حقول نفطية أبرمتها عام 2012، وحققت من خلالها أرباحاً رأسمالية بلغت نحو 896 مليون دولار.
ورغم أن هذا النوع من الدعاوى يُنظر فيه ضمن محاكم تحكيم دولية مغلقة تفتقر إلى الشفافية، وتبلغ الكلفة الوسطية لكل قضية منها نحو 5 ملايين دولار، ما يشكّل ضغطاً كبيراً على الدول النامية ويحدّ من قدرتها على المطالبة بحقوقها الضريبية، إلا أن «كونوكو فيليبس» توصلت، بعد انتقادات دولية، إلى تسوية مع فيتنام في عام 2019.
وليست فيتنام حالة استثنائية، إذ تكشف تحقيقات منصة «فاينانس أنكفرد» عن تهرب شركات نفطية متعددة الجنسيات، من بينها «كونوكو»، من ضرائب أرباح رأسمالية تُقدّر بنحو 2,4 مليار دولار.
أما شركة «شيفرون»، ثاني «العمالقة» الذين يجري الترويج للتعاون معهم، فقد صدر بحقها في عام 2011 حكم قضائي يُلزمها بدفع 9,5 مليارات دولار تعويضاً عن كارثة بيئية وصحية في الإكوادور. إذ أُدينت الشركة بتصريف أكثر من 16 مليار غالون من النفايات السامة في منطقة الأمازون، ما خلّف نحو ألف بركة من المخلّفات النفطية، في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي تسببت بها شركات النفط متعددة الجنسيات.
ورغم ذلك، لا تزال «شيفرون» تتهرب من تنفيذ الحكم. وتشير التقديرات إلى أن أرباحها خلال سنوات عملها في الإكوادور تجاوزت 200 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 21 ضعف قيمة التعويضات المحكوم بها، فيما تقدّر منظمات حقوقية دولية مستحقات الدول التي تعمل فيها الشركة بأكثر من 50 مليار دولار.
التداعيات على سورية
إن السجل التاريخي لكلتا الشركتين في التهرب الضريبي، والنزاعات البيئية والقانونية، ينذر بخطر حقيقي يتمثل في حرمان سورية من جزء كبير من عوائد ثرواتها النفطية عبر آليات مالية وقانونية معقدة، ولا سيما في ظل واقع اقتصادي هش، وضعف البنية الرقابية والتشريعية، وتراجع القدرة المؤسسية على فرض الشفافية والمساءلة.
كما يثير هذا التوجه مخاوف جدية من احتمال تكرار سيناريوهات كارثية مشابهة لما شهدته الإكوادور وغيرها من الدول، خاصة وأن شركة «كونوكو فيليبس» انسحبت عام 2022 من مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI)، ما يعني أنها لم تعد ملزمة بالإفصاح عن مدفوعاتها للحكومات على مستوى المشاريع، وهو ما يزيد من تعقيد مسألة الرقابة المالية.
القضية هنا لا تتعلق برفض مبدأ الاستثمار الأجنبي بحد ذاته، بل بمدى قدرة الدولة السورية على حماية سيادتها الاقتصادية، وحسن اختيار الشركاء الدوليين، وصياغة عقود عادلة وشفافة تُراعي المصلحة الوطنية قبل أي اعتبارات أخرى.
ويتطلب ذلك وضع شروط صارمة تضمن:
تحصيل الحقوق الضريبية كاملة دون استثناءات أو ثغرات قانونية.
إلزام الشركات بتحمل كلفة أي أضرار بيئية محتملة ومعالجتها.
تعزيز القدرات الوطنية في مجالات الرقابة البيئية والمالية والقانونية.
ضمان بقاء القرار السيادي في إدارة الموارد الطبيعية بيد الدولة السورية، لا رهينة لمصالح الشركات العابرة للحدود.
فالثروات الطبيعية ليست مجرد مورد اقتصادي، بل ركيزة من ركائز السيادة الوطنية، وأي تفريط بها أو سوء إدارتها في هذه المرحلة الحساسة قد يحمّل الأجيال القادمة أثماناً باهظة يصعب تداركها لاحقاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1256