«تخفيض» أسعار المحروقات... وشعار «تخفيف الأعباء المعيشية»!
أعلن وزير الطاقة، محمد البشير، عن قرار تخفيض أسعار المشتقات النفطية (نحو 20%) بما يحقق التوازن في الاستهلاك ويعزز كفاءة استخدام الموارد. وأشاد في منشور له على «إكس» بما ستحمله هذه الخطوة من «آثار إيجابية ستنعكس على الواقع الاقتصادي وتخفف من الأعباء المعيشية».
وقد حددت الوزارة أسعار لتر البنزين أوكتان 90 بـ 0.85 دولار، ولتر المازوت بـ 0.75 دولار، أما الغاز المنزلي بـ 10.5 دولار، والصناعي بـ 16.8 دولار.
إلا أن ما يتم التسويق له بوصفه «نموذجاً للسياسات الاقتصادية المتكاملة التي تضع المواطن في صلب أولوياتها»، ما هو إلا انفصال ما بين القرارات الرسمية والتأثير الفعلي.
فأي «توفير» محتمل ناتج عن خفض أسعار المحروقات قد تم ابتلاعه بالكامل، بل وأكثر، من خلال الزيادة الهائلة في أسعار الكهرباء. فمن غير المعقول الحديث عن «تخفيف الأعباء المعيشية» عندما ترتفع أسعار الكهرباء المنزلية من 10 ليرات إلى 600 و1400 ليرة للكيلوواط الساعي.
فهذه القفزة غير المسبوقة لم تترك مجالاً لأي إحساس «بالانفراج الاقتصادي»، بل على العكس، زادت من معاناة المواطنين.
مع ذلك، يصطدم قرار التخفيض بمشكلات عدة وتحديات واقعية على الأرض، أبرزها عدم الالتزام بالأسعار الرسمية. فعندما يحدد سعر لتر المازوت بـ 9,000 ليرة (وهو أعلى من السعر المحدد بالدولار)، يجد المواطن نفسه مضطراً لشرائه بسعر أعلى وأعلى يصل إلى 10,500 من بعض الصهاريج؛ أي 0.95 دولار تقريباً بحسب سعر الصرف في البنك المركزي، و0.90 دولار تقريباً بحسب سعر السوق الموازي!
وبالتالي، يبدو أن المحاولات المتكررة لربط الأسعار بالدولار، بحجة تحقيق استقرار أكبر ومنع التلاعب، عاجزة عن مواجهة قوى السوق السوداء والشبكات الاحتكارية، التي تستفيد من الثغرات وغياب الشفافية والرقابة.
أما تكاليف النقل التي يبشّر القرار بانخفاضها– والتي لم تنخفض حتى اللحظة– فما هي إلا جزء من المعادلة. فالقطاعات الإنتاجية ما زالت تتحمل أعباء تكاليف تشغيل وصيانة مرتفعة، متأثرة بأسعار الصرف وتكاليف الاستيراد، ما يلتهم جزءاً كبيراً من أي «وفرة» ناتجة عن انخفاض أسعار المحروقات.
كما أن التأثير المضاعف لارتفاع أسعار الكهرباء يقوّض أي مكاسب محتملة. فأسعار المحروقات، التي تتأثر بشكل مباشر بأسعار الكهرباء، تزيد بدورها من تكاليف الإنتاج والخدمات بشكل عام. وتميل المصانع والشركات وكل الأنشطة الاقتصادية إلى رفع أسعار منتجاتها وخدماتها، وهو ما سينعكس سلباً على المستهلك، دون تحقيق أي تحسن فعلي في قوته الشرائية.
ففي ظل مستويات أجور منخفضة، تبقى أسعار المحروقات مرتفعة وتشكل عبئاً على ميزانية الأسر، مما يحد من قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية الأخرى. وبالتالي، تظل الإجراءات التي لا تواكب ارتفاع تكلفة المعيشة، ولا تتماشى مع القدرة الشرائية للمواطنين، شكلية وقاصرة عن إحداث أي فرق في الحياة اليومية.
يُلاحظ كذلك أنه، وعلى الرغم من «التخفيض»، لا تزال أسعار المحروقات في سورية أعلى من مثيلاتها في دول الجوار، والتي تعتمد على الاستيراد كحالنا. حيث يبلغ سعر لتر البنزين (أوكتان 90) في لبنان 0.72 دولار، مقابل 0.85 في سورية!
يبدو إذاً، أن غياب الرؤية الشاملة في صياغة وتنفيذ السياسات الاقتصادية هو سيد الموقف. حيث تتُخذ القرارات بشكل مجزّأ، دون الأخذ في الاعتبار الصور الكلية وتفاعلاتها المعقدة. فبينما تنخفض أسعار المحروقات شكلياً، ترتفع أسعار الكهرباء وغيرها، ما يشكل «معادلة صفرية» بالنسبة للمواطن، ويتركه في نهاية المطاف دون أي تغيير يُذكر، وحتى أنه يجعل الوضع أسوأ.
وفي المحصلة، يصبح التخفيض المعلن شكلياً مفاقماً للأزمة المعيشية أكثر منه حلاً، حيث تزيد السياسات الاقتصادية من الأعباء؛ فتلغي الزيادة في أسعار الكهرباء أي فائدة مرجوة، بالإضافة إلى غياب الرقابة الفعالة.
وربما لتحقيق أي تأثير إيجابي مفترض بحال حسن النوايا. يجب تطبيق سياسات شاملة تتجاوز مجرد تعديل أسعار الوقود، لتشمل تغييرات هيكلية وسياسات اقتصادية تخفف الأعباء المعيشية فعلاً، وتضمن استقرار الأسعار بالحد الأدنى، وتحد من التكاليف المباشرة التي تُثقل كاهل المواطنين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1253
فرح شرف