المفاضلة الجامعية للطلاب القدامى... معدلاتٌ تعجيزية وآليات صعبة
سلمى صلاح سلمى صلاح

المفاضلة الجامعية للطلاب القدامى... معدلاتٌ تعجيزية وآليات صعبة

بعد سنوات من التعثر والحرمان، علّقت شريحة واسعة من السوريين آمالها على نيّة وزارة التعليم العالي قبول خريجيّ الثانوية السورية وغير السورية القدامى خلال سنوات الأزمة منذ العام 2011، والذين لم تتسنَ لهم فرصة استكمال تعليمهم.

وقد صاغت الوزارة هذه الوعود بعناية فائقة، وتحدثت عن تسهيل إجراءات القبول، وتوفير «فرص متساوية»، وركزت على فئة «الطلاب المحرومين».
غير أن هذه الصورة الوردية سرعان ما بدأت في التلاشي، عندما غيّرت الوزارة المعايير ورفعت معدلات القبول، ولم تتح لهم سوى المفاضلة على التعليم الموازي فقط، إن سبق للطالب الالتحاق بإحدى الجامعات.


خلل في آلية القبول


على الرغم من التأكيدات المستمرة على مبادئ العدالة والشفافية، إلا أن رفع المعدلات بنتيجة المفاضلة، على سبيل المثال، يتنافى مع التصريحات. فقد تم تحديد الحد الأدنى للتقديم على تخصص الطب البشري بـ 80% (مثل العام الماضي)، لكن تفاجأ الطلاب بعد صدور نتائج القبول، بأن الحد الأدنى الفعلي وصل إلى 99%!
حيث ينطوي هذا الإجراء على انتهاك صارخ يؤدي إلى حرمان آلاف الطلبة الذين استوفوا الشروط المعلنة سابقاً، ويُفقدهم الثقة بالنظام التعليمي، إلى جانب شعورهم بالغبن والظلم.
ولم يقتصر الارتفاع على الكليات الطبية، بل شهدت الكليات الهندسية ارتفاعاً من 75% في العام الماضي إلى 99%، وحتى المعاهد التقنية ارتفعت من 50% إلى 90% وأكثر!
كما تُبرز فجوة البيانات مشكلة أخرى؛ فعندما يُعلَن عن وجود أكثر من 30 ألف شاغر، بينما يبلغ العدد الإجمالي للمتقدمين من حملة الشهادات القديمة والجديدة 249,970 طالباً وطالبة بحسب إحصاءات وزارة التعليم العالي، ثم يُرفض عشرات الآلاف منهم، يعني أن هناك خللاً واضحاً في التخطيط، حيث لا تتناسب القدرة الاستيعابية مع أعداد المتقدمين، ويشير ذلك أيضاً إلى سوء إدارة للموارد التعليمية، ودفع ممنهج بالطلاب للدراسة في الجامعات الخاصة!
وبشكل عام هناك فجوة شفافية كبيرة بالمعلومات، على سبيل المثال نسبة توزيع الاستيعاب للمقبولين بنتيجة المفاضلة بين العام والموازي لم يتم الإعلان عنها، ولا نسبة القبول لحملة الثانوية القديمة والحديثة في كلا النظامين التعليمين، ولا نسبة قبول حملة الثانوية الأجنبية من السوريين، وغيرها من المعلومات المغيبة والتي تضع سياسة الاستيعاب الجامعي على المحك!


التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع


تبدو شعارات «فتح باب التعليم للجميع» و«تعويض سنوات الإجحاف» نبيلة ومحفّزة، وتوحي بأن الوزارة تسعى إلى تحقيق العدالة، إلا أن الواقع يشير إلى تحول التعليم إلى امتياز يستثني الفئات الأكثر احتياجاً.
ففتح باب التفاضل على التعليم الموازي فقط لحملة الثانوية القديمة يشكّل عائقاً كبيراً أمام الطلاب ذوي الدخل المحدود، بعد أن حُددت الرسوم لكليات الطب بـ 3 ملايين ليرة (257 دولاراً)، ومليونيّ ليرة لباقي الكليات (170 دولاراً)، خاصة وأن سبب انقطاع جزء كبير من المتقدمين هو الأوضاع المعيشية الصعبة والقاسية، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية بسبب سنوات الحرب والأزمة طبعاً.
وبالتالي تحولت سياسة «تعويض المحرومين» إلى عقوبة إضافية فوق الحرمان، وما يبدو «شكلياً» أنه مُتاح للجميع، ما هو إلا تحويل الحق إلى «امتياز» و«العدالة» إلى «رفاهية».


من الشعارات إلى التطبيق


اتسمت المفاضلة هذا العام بالتخبط وسوء الإدارة، فمن مخالفة أبسط الإجراءات وهي رفع المعدلات بشكل كبير بنتيجة المفاضلة، إلى دمج جميع الفئات الطلابية في مفاضلة واحدة، وتحديد معدلات مختلفة للتخصص نفسه حسب نوع الشهادة، إلى خطاب رسميّ حمّل الطلاب مسؤولية الخطأ. ما أدى إلى حالة من الغضب واليأس بين صفوف الطلاب.
مما يستدعي تدخلاً لإصلاح التخبّط الذي تسببت به الوزارة. فتحقيق شعار «التعليم للجميع» ليس مجرد مسألة إعلانات وخطابات، بل يتطلب سياسات وإجراءات حقيقية تعالج أسباب التناقض، حيث الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص هي الركائز لأي نظام قبول جامعي، وليس التعجيز. وهذا يعني تخطيطاً مسبقاً ودقيقاً، واستغلالاً للموارد التعليمية، وتطوير أنظمة قبول فعالة، على أساس احترام مستقبل الطلبة وتحقيق آمالهم لا تخييبها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1253