الملابس الشتوية... استمرار الأزمة رغم انخفاض الأسعار «الشكلي»
تشهد أسواق الألبسة تراجعاً حاداً، وجموداً شبه تام في حركة البيع، رغم انخفاض الأسعار مقارنة بالعام الماضي. إلا أن الأسعار لا تزال في مستويات تتعدى بمراحل القدرة الشرائية لدى الغالبية العظمى من السوريين، ما جعل تأمين الكسوة الموسمية أمراً صعباً.
ورغم وصول التنزيلات إلى 50 وحتى 70% في بعض محال الألبسة (بحسب ما يتم الإعلان عنه)، إلا أن هذا الانخفاض لا يعدو كونه مجرد سراب لا يعكس الواقع المعيشي المرير، بل يكشف عن تناقض بين الأرقام والقدرة الشرائية المستمرة في التآكل.
انخفاض ولكن...
تبدو أسعار الملابس للوهلة الأولى منخفضة بنسَب تتراوح ما بين 20 و30% عن العام الماضي. إلا أن التغير الذي طرأ على سعر الصرف هو ما يعطي انطباعاً زائفاً بوجود تحسن في الأسعار. ويمكن القول إن الأسعار بالليرة تراجعت من مستويات فلكية إلى مستويات مرتفعة جداً لا أكثر.
فعلى سبيل المثال، كان سعر الكنزة الشتوية العام الماضي 350,000 ليرة، عندما كان سعر الصرف 15,000؛ أي ما قيمته حوالي 23 دولاراً. أما هذا العام، فانخفض سعرها إلى 250,000 (حوالي 22 دولار)، حيث يتراوح سعر الصرف ما بين 11,400 و11,700 ليرة. والأمر نفسه ينطبق على بنطال الجينز الذي تراوح سعره العام الماضي ما بين 200 و300 ألف ليرة، واليوم يُباع ما بين 150 إلى 200 ألف ليرة.
هذا يعني أن متوسط الانخفاض الحقيقي يتراوح ما بين 4 إلى 10% فقط، وهو لا يعكس أي تحسن في القدرة الشرائية، بل يؤكد أن الأسعار بقيت مستقرة بقيمتها الدولارية.
تراجع الصناعة وعجز المواطن
يعود بقاء الأسعار عند مستوياتها الدولارية المرتفعة إلى ارتباط تكاليف الإنتاج والاستيراد بالدولار بشكل مباشر؛ فمعظم المواد الأولية، سواء كانت أقمشة أو خيوطاً أو غيرها من مستلزمات الإنتاج، يتم استيرادها من الخارج، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل والتشغيل، في ظل غياب تام لأي دعم حكومي لصناعة الألبسة، وحتى صناعة المواد الأولية.
إضافة إلى ذلك، فُتحت أبواب السوق السورية على مصراعيها، بلا ضوابط أو رقابة، أمام الألبسة المستوردة والبالة، بالأخص التركية؛ حيث يتراوح سعر القطع على البسطات وفي محال البالة ما بين 40 إلى 200 ألف ليرة.
أما أجور المواطنين– وإن ارتفعت 200%– إلا أنها غير قادرة على مواكبة الأسعار. فقد بلغ سعر الجاكيت الشتوي نحو 850 ألف ليرة، ما يعادل 85% من الراتب الشهري للموظف.
بينما تحتاج الأسرة لتجهيز طفل واحد بكنزة (100,000) وبنطال (90,000) وجاكيت (200,000)، وهي قطع أساسية في الشتاء، بمجموع 390 ألف ليرة بالحد الأدنى، ما يستنزف 52% من الأجر الشهري، على حساب أن الحد الأدنى للأجور هو 750 ألف ليرة. هذا يعني أن الأسر ذات الدخل المحدود تواجه خياراً صعباً بين توفير الدفء لأطفالها وتلبية احتياجاتهم الأساسية الأخرى.
تكيّف الأسر
في ظل الأوضاع الاقتصادية القاسية كقسوة الشتاء في حياة السوريين، تضطر العائلات والأفراد إلى تغيير أولوياتهم بشكل جذري. حيث إن نفقات الغذاء والدواء والإيجار تفوق أهمية الملابس الشتوية، رغم ضرورتها للحفاظ على الصحة والكرامة.
كما تُعطى الأولوية لتلبية احتياجات الأطفال، بينما يتنازل الوالدان عن حقهما في اقتناء ملابس دافئة، مكتفيين بما هو متاح من ملابس قديمة أو بالية. يعكس هذا السلوك شعوراً بالعجز والقهر، ويزيد من الأعباء النفسية.
الأزمة أكبر من مجرّد كنزة صوف!
إن انعدام القدرة على شراء الملابس، يعد جزءاً من أزمة معيشية شاملة، فالراتب لا يساوي سوى بضع قطع من الملابس، مما يعني أن قيمته الحقيقية في تدهور مستمر، بالإضافة إلى تزامن موسم الملابس الشتوية مع مستلزمات التدفئة، ومصاريف المدارس التي شهدت ارتفاعاً كبيراً.
فالسياسات الاقتصادية حتى الآن عاجزة عن إعادة بناء القدرة الشرائية للمواطن، بل تساهم في العمق في تدهورها أكثر. وبالتالي فإن أي «انخفاض» يبقى غير محسوس لدى المواطنين، الذين ما زالوا يعانون من فجوة هائلة بين ما يكسبونه وما ينفقونه على أبسط ضرورات الحياة، ويدفع بهم نحو مزيد من الفقر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1252
سلمى صلاح