رغيف الخبز يواجه عقبات جديدة... أعطالٌ متكررة وتحديات تقنيّة
سارة جمال سارة جمال

رغيف الخبز يواجه عقبات جديدة... أعطالٌ متكررة وتحديات تقنيّة

رغم قرار المؤسسة العامة للمخابز بتعديل مواصفات الخبز التمويني «المدعوم»، عبر تخفيض عدد الأرغفة من 12 إلى 10، وتحديد قطر الرغيف بـ 33 سم، وبقائه بالوزن نفسه والبالغ 1,2 كغ، والسعر نفسه وهو 4000 ليرة، في خطوة تهدف، بحسب المؤسسة، إلى تحسين الجودة ورفع كفاءة خطوط الإنتاج. إلا أن المدير العام للمؤسسة، محمد طارق الصيادي، عاد ليوضّح حجم التحديات التقنية واللوجستية والتي تهدد– وفق ما صرّح به لجريدة «الحرية»– استمرارية الإنتاج.

الحاجة اليومية


يبلغ الإنتاج اليومي للمخابز 4,39 ملايين ربطة، ما يتطلب 4500 طن من الطحين يومياً. ويتوزع هذا الاستهلاك على القطاع العام الذي يستهلك 2220 طناً، ينتج عنها 2,16 مليون ربطة خبز، والقطاع الخاص الذي يستهلك 2280 طناً، وينتج 2,22 مليون ربطة.
ورغم أن القطاعين متساويين تقريباً في الكفاءة (نحو973 ربطة/طن)، إلا أن هناك فارقاً يومياً قدره 60 طناً من الطحين يذهب لصالح القطاع الخاص، في ظل نقص تعاني منه المخابز، بحسب الصيادي، في المناطق المكتظة، أو التي تُعتَبر الأعلى استهلاكاً مثل حلب.


خطوط إنتاج ومخابز متوقفة


وفق الصيادي، فإن 82 مخبزاً من أصل 354 متوقف عن العمل، أي ما يمثل 23% من الطاقة الإنتاجية الكلية. ما يشكّل حرماناً لمناطق بأكملها من الحصول على الخبز بشكل منتظم، ويؤدي إلى زيادة الضغط على المخابز العاملة. وينتج عنها مشاهد التكدس والازدحام أمام الأفران، والتي أصبحت جزءاً من معاناة المواطنين اليومية.
يتفاقم هذا الوضع عند النظر إلى التوزيع الجغرافي للمخابز المتوقفة. ففي حين يكون التأثير متبايناً في المدن الكبرى مثل دمشق، نظراً لتوفر بعض البدائل، إلا أن الوضع يصبح أشد قسوة في المناطق الريفية والنائية. وبالتالي فإن التوقف المستمر للمخابز يعني حرمان شريحة واسعة من السكان من الخبز بشكل شبه كامل.
ومع توقف 58 خط إنتاج من أصل 399، واستناداً إلى افتراض أن كل خط ينتج ما معدله 10,000 ربطة خبز يومياً، فإن هذا يعني فقدان 580,000 ربطة يومياً من السوق. وهذا النقص الهائل يترجم مباشرة إلى حرمان ما يقرب من 290,000 عائلة من الخبز، بافتراض أن العائلة تحتاج وسطياً إلى ربطتي خبز يومياً.
تشير هذه الأرقام إلى الصعوبات التي تواجه عدداً كبيراً من المواطنين في تأمين لقمة عيشهم الأساسية، وتُثير مخاوف جدية حول الأمن الغذائي للسوريين.


تداعيات استمرار الوضع الحالي


أولى التداعيات وأكثرها إلحاحاً هي التهديد المباشر للقمة العيش. فانخفاض الإنتاج، سواء كان بسبب نقص المواد، أو الأعطال المتكررة، أو حتى الاضطرابات اللوجستية، يعني أن الحرمان سيطال فئات أوسع من السوريين.
فيما تؤثر الصعوبات التي ذكرها الصيادي– ومن ضمنها تهالك خطوط الإنتاج والآلات، وصعوبة تأمين قطع الغيار، وارتفاع تكاليف الصيانة، بالإضافة إلى إرهاق العاملين وصعوبة الحفاظ على الكوادر المدربة، وضعف الخبرة– على جودة الخبز.


الحلول الهيكلية أولى من التمويل المؤقت


أشار الصيادي أيضاً إلى وجود خطة استثمارية في عام 2026 لصيانة وترميم المخابز المتوقفة، بالتعاون مع منظمات إنسانية. وهو ما يبدو بعيداً كل البعد عن الواقع، في ظل أزمة آنيّة تتطلب تدخلاً عاجلاً وفورياً. فكل تأخر في اتخاذ الإجراءات اللازمة يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وتزايد حدة المعاناة.
فالتخطيط بعيد المدى، وإن كان يحمل نوايا حسنة، إلا أنه يغفل أن الأزمة تتطلب استجابة فورية، وأن الاعتماد على المنظمات والدعم الخارجي لا يحل المشكلة؛ فالمنظمات الإنسانية تعمل غالباً ضمن إطار زمني وميزانية محددة، ما يجعل المخابز عرضة للتقلبات في حجم الدعم أو تغيّر الأولويات، كما أنها لا تشكل بديلاً عن الدور الأساسي للدولة في توفير الغذاء.


الخبز كأولوية


لا يُعَد إنتاج الخبز مجرد نشاط اقتصادي عادي، بل هو مسألة أمن قومي تتعلق باستقرار المجتمع والأمن الغذائي، وتقصير الدولة أو اعتمادها في استمرارية تأمينه على «تمويل إنساني عبر المنظمات» يمثل تفريطاً بواجبها الأساسي.
فإعادة خطوط الإنتاج إلى العمل لا يمكنه الانتظار حتى عام 2026، بل يجب أن يبدأ فوراً؛ فالوضع الحالي أشبه بمغامرة بلقمة المواطن، ويتطلب تحركاً عاجلاً وشاملاً من الدولة، باعتبار أن رغيف الخبز عنوان للأمن الغذائي وأولوية وطنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1252