»الدعم انتهى...« الكهرباء بسعر التكلفة المضّخمة والفقراء يدفعون الثمن
وزارة الطاقة ترفع أسعار الكهرباء وتُعلنها حرباً على الفقراء باسم الكفاءة والعدالة
وزارة الطاقة ترفع الأسعار... «نحن نحمي المنظومة...» والفقراء يتحملون الفاتورة
من «دعم الفقراء» إلى «توزيع العتمة بعدالة»
أعلنت وزارة الطاقة رسمياً عن تعرفة جديدة للكهرباء موزعة على أربع شرائح، قالت إنها «تراعي الفئات الاجتماعية ومستويات الاستهلاك». لكن الأرقام وحدها تكشف الحقيقة، فلا دعم للأسرة، ولا اعتبار للفقراء.
المصدر الرسمي عبر تلفزيون سورية ذكر سابقاً أن تكلفة إنتاج الكيلوواط تبلغ نحو 14 سنتاً أمريكياً (1,540 ل.س تقريباً)، بينما تُباع الكهرباء بأسعار متدرجة تصل إلى 1,400 ل.س للشريحة الثانية، و1,700–1,800 ل.س للقطاعات التجارية والصناعية.
الحساب البسيط يكشف الحقيقة المرة
لنأخذ الأسرة (بحال توفر الكهرباء طبعاً) كمثال:
استهلاك شهري: 300 ك.و.س (دون الاستخدام لغرض التدفئة...) دورة شهرين: 600 ك.و.س.
سعر الشريحة الثانية: 1,400 ل.س/ك.و.س.
إجمالي الفاتورة: 480,000 ل.س، حيث لن يستفيد المستهلك المنزلي من تسعيرة الشريحة الأولى، والتي يمكن اعتبارها تسعيرة «خلبية وتضليلية» لكون الحساب سيتم على أساس كامل الدورة (شهرين) وعلى تسعيرة الشريحة الثانية عملياً.
النتيجة: الأسرة لم تعد تستفيد من أي دعم، حيث إن التسعيرة المعلنة تقارب التكلفة الفعلية (وربما هي أقل قليلاً).
لكن الحقيقة الأكثر مراراً هي أن التكلفة نفسها مضخّمة أصلاً، لأنها تشمل فاقداً فنياً وتجارياً يزيد عن 30% من الإنتاج، أي إن المواطن يدفع ثمن الكهرباء المفقودة أو المسروقة قبل أن تصل إلى بيته.
فالحكومة تتحدث عن تكلفة «14 سنتاً» وعن «خسائر»، لكنّ الفاتورة الحقيقية تُدفع من صحة الأطفال، وتعليمهم، وقدرة الأسر على طهي وجبة ساخنة أو تشغيل غسالة.
التضخيم والفاقد... كيف تتحول الحكومة إلى تاجر على حساب المواطنين
التكلفة المعلنة (14 سنتاً/ك.و.س) تشمل:
الوقود والتشغيل.
الصيانة والشبكات.
فاقد فني وتجاري يقدر بـ30% أو أكثر.
بالمقابل تقول الوزارة في بيانها: «لم نرفع الأسعار من أجل الرفع، بل نرفع قدرة المنظومة الكهربائية واستمراريتها ضمن خطة إصلاح وطنية شاملة».
لكن المفارقة أن كل خسارة في الشبكة تتحول إلى مادة خام للحساب الرسمي للتكلفة، ليُحمّل المواطن «ثمن السرقات والتسربات».
الأسر تُقنّن
والقطاع المنتج يعاني
في المقابل، الشرائح الثالثة والرابعة (المؤسسات والمصانع والقطاع الزراعي والخدمي) تدفع أسعاراً أعلى من التكلفة الفعلية:
الشريحة الثالثة: 1,700 ل.س تحقق ربحاً صافياً لوزارة الطاقة 160 ل.س/ك.و.س تقريباً.
الشريحة الرابعة: 1,800 ل.س تحقق ربحاً صافياً لوزارة الطاقة 260 ل.س/ك.و.س تقريباً.
أي إن الحكومة تجني أرباحاً من الكهرباء الصناعية والزراعية والتجارية، بينما تنهي الدعم كلياً عن الأسر المتوسطة ومحدودة الدخل.
نعم، أصبحت وزارة الطاقة تبيع الكهرباء كأي تاجر في سوق الجملة، وتستعمل لغة السوق لتغطية فشلها في الإدارة، بينما تدّعي أن الهدف هو «تطوير البنية التحتية وجذب الاستثمار».
ارتفاع الأسعار
سينعكس على كل شيء
زيادة أسعار الكهرباء للقطاعات غير المنزلية (المؤسسات والمصانع وغيرها) ستنعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات.
فكل كيلوواط إضافي يكلف المصنع أكثر ويرفع تكلفة الإنتاج، والنتيجة أن المواطن يدفع أكثر على شكل أسعار غذاء، خدمات، ورسوم.
أي إن الأسر تتحمل ثمن الكهرباء مرتين، مباشرة عبر فاتورة المنزل، وغير مباشرة عبر أسعار السوق.
باختصار، الحكومة تربح على حساب المواطنين، بينما يُعلن رسمياً أنها «تحمي الفئات الضعيفة وتحافظ على الدعم».
فالحكومة تريد أن تزرع في عقول الناس أن ارتفاع الأسعار هو شرط ضروري للإنارة، وأن الدعم كان عائقاً أمام التنمية، وكأن جيوب المواطنين هي المحطة الحرارية البديلة التي ستولّد الكهرباء الموعودة!
سلعة سياسية وطبقية
الدعم انتهى فعلياً، ولكن خطاب الحكومة يصر على وصفه «بإعادة هيكلة عادلة».
ومن الواضح أن «إعادة الهيكلة» ليست سوى الاسم الجديد لسياسة نقل الفقر من الورق إلى الجسد، وأن التكلفة المعلنة ليست رقماً اقتصادياً بل خطاباً سياسياً لتبرير إنهاء الدعم فعلياً.
فالكهرباء لم تعد خدمة، بل فاتورة سياسية يوزع فيها العبء على الأسر، بينما يُجيّر القطاع الصناعي والتجاري تكاليفه على حساب الشعب.
فالأسرة المفقرة ومحدودة الدخل لن ترى أي شعاع دعم، وستجد نفسها تدفع ثمن الفاقد، السرقة، والتضخم الرسمي، بينما المسؤولون يتباهون «بإصلاح المنظومة الكهربائية».
ويبدو أن العدالة في قاموس السلطة اليوم تعني أن الفقراء يدفعون أكثر ليعيش الأغنياء تحت الضوء.
بالمختصر، ما تسميه وزارة الطاقة «تعرفة عادلة» هو إعادة توزيع العجز على من لا يملكون خياراً.
والحقيقة المرة والفاقعة أن الكهرباء لم تعد حقاً، بل أصبحت سلعة سياسية وطبقية، والفقراء (الغالبية من السوريين) هم الوقود الحقيقي لهذا «الإصلاح الوطني».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1250