من جيب المواطن إلى خزينة الدولة... الكهرباء تموّل الأجور والفائض

من جيب المواطن إلى خزينة الدولة... الكهرباء تموّل الأجور والفائض

بينما تتحدث الحكومة عن «إصلاح اقتصادي» و«عدالة في الدعم»، يكشف الواقع أن المواطن السوري هو الممول الحقيقي لكل الزيادات والفوائض الحكومية.

رفع أسعار الكهرباء لم يكن إجراءً تقنياً لتحسين الخدمات، بل كان قراراً مالياً يهدف إلى تعويض خزينة الدولة على حساب قوت الناس.


الأرقام لا تكذب


سورية اليوم تنتج نحو 2,200 ميغاواط من الكهرباء، أي نحو 1,6 مليار كيلوواط ساعي شهرياً.
يذهب منها 60% للاستهلاك المنزلي- أي للأسر والمواطنين- والباقي 40% للقطاع الصناعي والتجاري والزراعي والجهات الحكومية.
لكن عندما تقرر الحكومة رفع الأسعار من 10 ليرات إلى 1,400 ليرة للكيلوواط المنزلي، فهي لا «ترشد الدعم»، بل تنقل العبء المالي بالكامل إلى المواطن، الذي أصبح يدفع ما يعادل 140 ضعفاً مما كان يدفعه.


جباية هائلة... من فواتير المواطنين


الأرقام تكشف الكارثة:
فقبل الزيادة كانت إيرادات الكهرباء نحو 523 مليار ليرة شهرياً، بواقع 10 ليرات للاستهلاك المنزلي وبنسبة 60% من حجم الإنتاج، و700 ليرة للقطاعات الزراعية والصناعية والتجارية وبنسبة 40% من حجم الإنتاج.
بعد الزيادة ستقفز الإيرادات إلى 2,44 تريليون ليرة شهرياً وفق التسعيرة الجديدة، بواقع 1400 ليرة للاستهلاك المنزلي وبالنسبة ذاتها، و1700 ليرة لبقية القطاعات وبنسبتها من حجم الاستهلاك.
أي إن الحكومة تحصل على 1,9 تريليون ليرة إضافية كل شهر من فواتير الكهرباء وحدها.
هذا الفارق في الجباية- 1,9 تريليون ليرة شهرياً- أصبح عملياً الوعاء المالي الذي تموِّل به الحكومة زيادات الأجور الأخيرة.


الأجور الجديدة... من فواتير الفقراء


حين رفعت الحكومة متوسط الأجور من 300 ألف إلى مليون ليرة سورية، أي بزيادة 200%، ظن كثيرون أنها خطوة «إنسانية» لتحسين المعيشة.
لكن الحقيقة أن تمويل هذه الزيادة جاء من جيب المواطن نفسه.
فكتلة الأجور قبل الزيادة كانت بحدود: 0,6 تريليون ليرة تقريباً، بمتوسط أجر يبلغ 300 ألف ليرة، وعدد أصحاب أجور يقارب المليونين، موظفي دولة ومتقاعدين.
بعد الزيادة أصبحت كتلة الأجور للعدد نفسه بحدود: 2 تريليون ليرة، بواقع 1 مليون ليرة وسطي أجر.
فارق الجباية الناتج عن رفع أسعار الكهرباء: 1,9 تريليون ليرة.
أي إن الحكومة غطّت تقريباً كامل كلفة زيادة الأجور من الكهرباء وحدها.
النتيجة الصريحة
صاحب الأجر حصل على زيادة اسميّة في راتبه، لكنه يدفعها مجدداً عبر فواتيره الشهرية. والخاسر الأكبر هو المواطن خارج الوظيفة.
فمن لم يكن موظفاً، ولم تصله الزيادة، وجد نفسه يدفع فواتير مضاعفة بلا أي مقابل.
والنتيجة أن العاطلون عن العمل، وأصحاب الدخل المحدود، والمتقاعدون، وأسر الفقراء- كلهم الآن ممولون إجباريون لزيادة الأجور وفائض الدولة.
هكذا أصبحت الكهرباء أداة جباية قسرية، وليست خدمة عامة.
فالفقير يدفع من فواتيره بينما لا يتحسن شيء في الواقع، لا كهرباء مستقرة، ولا معيشة أفضل، ولا عدالة حقيقية.


عندما تتحول الفاتورة إلى ضريبة حياة


رفع الأسعار بهذا الشكل يعني ببساطة أن المواطن يُحاسب على حاجته الأساسية للنور، للطبخ، للتدفئة، وكأنها رفاهية.
في بلدٍ يعيش فيه أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، تصبح الكهرباء عبئاً يومياً لا يُحتمل، لا «إصلاحاً اقتصادياً».


الدولة تربح... والمواطن يحترق


من كل 100 ليرة إضافية تجبيها الحكومة من الكهرباء، 95 منها تذهب لتمويل الأجور التي زادت شكلياً، و5 تبقى كفائض مالي في الخزينة.
إنه توازن مختل، حيث تربح الدولة وتُخسّر الناس.
وبكل باختصار يمكن القول: إن الحكومة أنارت ميزانيتها... بإطفاء حياة الناس.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1250