الحمضيات... بين معضلة التكاليف السنوية والإهمال الرسمي لاستدامته كمحصول استراتيجي!
يعد محصول الحمضيات من المحاصيل ذات الطابع الاستراتيجي في سورية ومصدر دخل لآلاف العائلات وخاصة في مناطق الساحل السوري.
فهل سيختلف الموسم هذا العام بالنسبة للفلاحين أم إن حالهم سيبقى كما هو في خسائر متراكمة تتضاعف سنوياً ولا تحد منها أو تشفع لها الوعود الرسمية الخُلبية؟!
توقعات بالتراجع
دخل الموسم مرحلة القطاف في منتصف أيلول وبدأ مع الأصناف المبكرة (أبو صرّة، الحامض الماير، الساسوتوما والكلمنتينا الفرنسية)، ليبلغ الإنتاج ذروته في كانون الثاني ويمتد حتى نهاية شهر نيسان العام المقبل لبعض الأصناف.
وحسب تصريح رئيس لجنة الحمضيات في سوق الهال في اللاذقية «حافظ رجب» بتاريخ 28 تشرين الأول، قال: «الإنتاج الأولي المتوقع منخفض ويتراوح بين 250-300 ألف طن».
معضلة التكاليف
كما جرت العادة كلّ عام، فهامش الربح الذي ينتظره المزارع صعب المنال وقد يغطي التكلفة أو بالكاد.
فمحصول الحمضيات كغيره من المحاصيل على مستوى الخسائر المتوقعة مع الانهيار المتتابع للإنتاج في السنوات الماضية.
فتتوزع التكاليف للدونم بين الحراثة والتقليم (250,000 ل.س) إلى التسميد والأسعار المرتفعة (900,000 ل.س) تقريباً، كما الأدوية والري وصولاً إلى القطاف والنقل حسب بعد المسافة عن الأسواق (500,000 ل.س) وسطياً ناهيك عن التعبئة والنفقات الثانوية الأخرى.
أي إن تكلفة الدونم الواحد وحسب المعطيات الميدانية، يتراوح بين 1,5- إلى مليوني ل.س، وتكلفة الكيلوغرام نحو 3500 ل.س، فمثلاً؛ 10 دونمات مزروعة بـ 300 شجرة (عمرها 10سنوات وأكثر)، إنتاجها نحو 20 طناً، وفي حال وفرته 30 طناً، مقابل تكلفة نحو 15 مليون ل.س، حسب أحد المزارعين.
وبحسب المزارعين فإن المساحات الكبيرة توفر إنتاجاً أعلى ومردوداً مقبولاً حتى مع انخفاض الإنتاج مقارنة بالصغيرة منها والأشجار الأصغر سناً، التي تتطلب نفقات مضاعفة.
وتعتبر أسعار الحمضيات في الأسواق مقبولة مع هامش ربح معقول للفلاح رغم وجود العمولة بنسبة 10%، وتراوحت الأسعار بين 10-15 ألف ل.س للحامض و7-12 للبرتقال، وهذه أسعار بداية الموسم، ومن المتوقع انخفاضها مع استمرار واستكمال عمليات القطاف.
الحرائق والتغير المناخي
التهمت الحرائق آلاف الأشجار المثمرة ومنها الحمضيات في عدد من مناطق الساحل، كذلك الصقيع في شهر شباط الفائت الذي أثر على نسبة عقد الثمار، إلى الجفاف وقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة مع محدودية مياه الري، والنتيجة المتوقعة هي تراجع الإنتاج ومردود أقل من التكلفة، أي خسارة مسبقة للمزارع قبل أي حسابات للربح، إن وجد!
هاجس الحيازات الصغيرة
يعيش المزارعون أصحاب المساحات الصغيرة قلقاً مضاعفاً على مستوى الإنتاج وسعر البيع المجزي، فيضطرون للرضوخ لاستغلال التجار والبيع بأسعار منخفضة، لتصريف المحصول مقابل الانتظار واحتمال تلفه، ما يجعلهم رهينة الاشتراطات التي يفرضها التجار (النوعية وحجم الإنتاج حتى ندرة الصنف) مقارنة بأصحاب المساحات الكبيرة والإنتاج المرتفع والبيع بسعر أفضل.
تخوُّف مشروع
كما جرت العادة في الأعوام السابقة، فوفرة المعروض من المحصول يعني هبوط السعر تلقائياً ويترتب عليه قلة الطلب لكونه يفوق حاجة الاستهلاك المحلي، ولكن التخوف الأكبر للمزارع من إعادة سيناريوهات الماضي وعقلية الاستيراد غير المبررة لخدمة مصالح البعض خلف الكواليس، سواء للحمضيات أو الموز وخاصة مع سياسة الانفتاح الحالية، مما سيؤثر سلباً على تسويق المحصول وبالتالي أزمة مضاعفة على حساب المزارع المفقر ومن تعبه وجهده الذي يذهب أمام توحش السياسات تاريخياً والإصرار على سلبه حقه في العيش الكريم.
المطلوب؟
المعالجة لا تجدي نفعاً إن لم تكن دائمة ونهائية، فتكرار السيناريوهات التسويقية نفسها كل عام بما فيها من أعباء وتكاليف يؤكد هشاشة السياسات.
فهذا القطاع الحيوي يتطلب تطويراً بتكاتف الجهود المعنية لاستدامته وزيادة عوائده:
تقديم التسهيلات والمستلزمات الزراعية بأسعار مدعومة من الأسمدة والأدوية إلى المحروقات.
ترشيد الاستيراد أمام السوق المفتوح لحماية المنتج المحلي والتدخل إيجاباً وليس بالإكراه لدعم تسويقه محلياً وبتسعيرة مناسبة تضمن هامش الربح للمزارع.
إنشاء معمل حكومي للعصائر، نوايا منذ 30 عاماً لم تحرك ساكناً، بالرغم من الفائدة الاقتصادية والغذائية لصناعاته التحويلة، بإنتاج العصائر والمربيات أو الصناعات الطبية والكيمائية وحتى الزراعية، عند وجود فائض إنتاج لتحقيق عائد محلي ومن التصدير.
فاستمرار التجاهل الرسمي لهذه المطالب، يعني استمرار هجرة الزراعة والأرض، واقتلاع الأشجار لاعتماد البدائل الأكثر جدوى للمزارعين، كالفواكه الاستوائية والبيوت البلاستيكية، أي خسارة لا تعوّض بالكلام الحكومي المعسول والوعود بالخطط والإجراءات لحماية الإنتاج الزراعي ودعمه، أمام نهج رسمي لتخفيض المحصول كل عام والضرب بمصلحة المزارع والمستهلك والاقتصاد الوطني عرض الحائط!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1250
رهف ونوس