سورية و«ميغا»... بين الحاجة إلى الضمانات والاعتبارات الوطنية

سورية و«ميغا»... بين الحاجة إلى الضمانات والاعتبارات الوطنية

عقد وزير المالية السوري اجتماعاً مع وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف (MIGA) التابعة لمجموعة البنك الدولي، لمناقشة مجالات التعاون الممكنة في الاستثمار وتمويل مشاريع إعادة الإعمار.

وتناول اللقاء مقترحات عدة، من بينها توفير ضمانات للمستثمرين الراغبين في دخول السوق السورية، وإصدار سندات للمغتربين السوريين (Diaspora Bonds) للمساهمة في تمويل المشروعات الوطنية. كما تم الاتفاق على زيارة مرتقبة لبعثة من الوكالة إلى دمشق لمتابعة هذه المباحثات.

تعريف بالوكالة ودورها

تُعد MIGA إحدى مؤسسات مجموعة البنك الدولي، وتختص بتقديم ضمانات ضد المخاطر غير التجارية التي قد تواجه المستثمرين في الدول النامية، مثل: المصادرة، أو النزاعات، أو القيود على تحويل الأرباح.

وتهدف هذه الضمانات إلى تقليل مستوى المخاطر الاستثمارية وتشجيع تدفق رؤوس الأموال إلى الأسواق التي تمر بظروف اقتصادية أو سياسية معقدة.

وتخضع أنشطة الوكالة لإجراءات البنك الدولي وسياساته، بما في ذلك متطلبات الشفافية والحوكمة والامتثال للقوانين الدولية ذات الصلة بالاستثمار.

لكنّ خبرات الدول الأخرى تشير إلى أن التعامل مع مؤسسات البنك الدولي يجب أن يتم بحذر محسوب، لأنها تعمل ضمن منظومة غربية وقد ترافقها اشتراطات سياسية واقتصادية غير مباشرة.

مخاطر محتملة على الاقتصاد الوطني

اشتراطات سياسية غير معلنة قد تربط الضمانات بمواقف أو سياسات معينة.

إصلاحات اقتصادية قاسية، مثل: رفع الدعم، أو تحرير سعر الصرف، قد تُفرض لاحقاً كجزءٍ من «تحسين بيئة الاستثمار».

تعارض مع العقوبات المفروضة على سورية، ما قد يحدّ من حرية اختيار الشركاء والمشاريع.

تحويل بوصلة التمويل نحو قطاعات يفضلها المانحون (كالطاقة المتجددة والتعليم) على حساب أولويات إعادة الإعمار والإنتاج.

بدائل أقل مخاطرة

يمكن لسورية تحقيق التوازن عبر التعاون مع مؤسسات بديلة أكثر استقلالاً، مثل:

المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار (ICIEC) التابعة للبنك الإسلامي للتنمية، التي تقدم ضمانات دون أجندات سياسية.

البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) وبنك التنمية الجديد (NDB) لمجموعة بريكس، اللذان يوفران تمويلات كبيرة دون شروط سياسية.

الصناديق العربية التنموية، التي تمتاز بعلاقات إيجابية وتمويلات مرنة وميسرة.

دروس من تجارب دول أخرى

في مصر، ساهمت MIGA في جذب استثمارات الطاقة الشمسية، لكنها ترافقت مع إصلاحات اقتصادية صعبة.

في الأردن، جلبت ضماناتها تمويلاً كبيراً لمشاريع الطاقة، لكنها رفعت كلفة التشغيل.

أما رواندا فنجحت في استخدامها لإعادة بناء ثقة المستثمرين بعد الحرب، في حين واجهت صربيا وباكستان تحديات تتعلق بالخصخصة المفرطة وتنازع السيادة الاقتصادية.

هذه التجارب تثبت أن نتائج التعاون مع MIGA تعتمد على قدرة الدولة في ضبط شروطه وحماية مصالحها.

السياق السوري وأهمية أولويات التنمية المحلية

يأتي هذا المسار التفاوضي في إطار محاولات الحكومة السورية لتوسيع خياراتها التمويلية واستكشاف إمكانيات التعاون مع مؤسسات دولية في مرحلة ما بعد الحرب.

ومع استمرار التحديات الاقتصادية والعقوبات، يبقى العامل الحاسم في أي قرار يتعلق بالتعاون مع MIGA أو غيرها من المنظمات الدولية هو مدى توافق هذا التعاون مع المصلحة الوطنية السورية، سواء من حيث الأثر الاقتصادي أو الحفاظ على السيادة القانونية والمالية.

فالتجارب الدولية تُظهر أن تحقيق الاستفادة من مثل هذه الشراكات يتطلب إدارة دقيقة ومتوازنة تضمن توافق الدعم الخارجي مع أولويات التنمية المحلية، وتمنع أي تأثيرات سلبية على القرار الوطني المستقل.

اعتبارات المصلحة الوطنية هي المعيار الأساسي

تُعد المباحثات الجارية بين وزارة المالية السورية ووكالة MIGA خطوة فنية في مرحلة دراسة وتقييم، ولم تُترجم بعد إلى اتفاقات تنفيذية.

وسيُحدد مدى تقدم هذا التعاون لاحقًا بناءً على نتائج الزيارة المقررة للبعثة، وعلى تقييم الجهات السورية المختصة لمردود وأثر التعاون المقترح.

وفي جميع الأحوال، فإن أي خطوة مستقبلية في هذا الاتجاه من المفترض أن تستند إلى اعتبارات المصلحة الوطنية السورية باعتبارها المعيار الأساسي في تقرير شكل وحدود أي شراكة دولية قادمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1248