«برنامج» وزارة الشؤون الاجتماعية للحدّ من الفقر... بين المعالجة الجذرية والحلول المؤقتة
كشف أحمد القاسم، مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، في تصريح لوكالة سانا، بأن الوزارة تعمل على إطلاق برنامج وطني يستهدف الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع لتعزيز الحماية المجتمعية والحدّ من الفقر.
ولفت إلى أن الوزارة تُقيم ورشة عمل لتصميم البرنامج وآلياته التشغيلية بمشاركة عدد من الخبراء، وأن تقييم البرامج يتم وفق معايير التغطية والتكلفة والأثر على الفقر والجدوى التشغيلية.
يمثل إعلان الوزارة خطوة إيجابية ومهمة لمعالجة قضية محورية، تستعيد الوزارة من خلالها دورها المؤسسي. مع ذلك فإن النجاح الحقيقي لأي خطة يعتمد على تظافر عدة عوامل، ويواجه تحديات كبرى في ظل الوضع الراهن. فمعالجة قضية تمس واقع أكثر من 90% من السوريين ليست من عمل وزارة الشؤون الاجتماعية وحدها.
إشكالية النهج الانتقائي
لا شك بأن الفئات الأكثر هشاشة التي ذكرتها الوزارة، (الأيتام، والنساء المعيلات، والأسر في المخيمات، والنازحين، وذوي الإعاقة)، تستحق كل الدعم والرعاية، إلا أن هذا التركيز يميل إلى تغطية أعراض المشكلة، بدلاً من الغوص في جذورها العميقة والمتشعبة.
حيث يبدو التركيز منصبّاً على تقديم مساعداتٍ مباشرة أو مؤقتة، وبأحسن الأحوال دعم مشاريع منزلية صغيرة، ما يشير إلى أن النظرة إلى الفقر تقتصر على كونه قضية جزئية، يمكن حلها عبر تدخلات موضعية، في تجاهلٍ للفقر كظاهرة عميقة وشاملة، تتأثر وتؤثر في البنى الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع ككل.
كما أن وصف عمل الوزارة بأنه «برنامج» يوحي بمعالجة مؤقتة وليست مستدامة. فالبرامج عادة ما تكون محددة زمنياً وموجهة لتحقيق أهداف معينة ضمن إطار زمني ضيق. وهو ما يختلف تماماً عما يحتاجه السوريون فعلاً؛ أي سياسة عامة تصمم لتكون مستدامة وشاملة، وتستهدف معالجة الأسباب الجذرية للفقر، بحيث تكون جزءاً لا يتجزأ من رؤية حكومية طويلة الأجل للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
أيضاً الحديث عن تقييم البرامج بناءً على التغطية المادية والتكاليف، يجعل من استمرارها مرهوناً بتوفر هذه الموارد، ما يكرس فكرة المعالجة الجزئية. فإذا كان «البرنامج» يتوقف على حجم التمويل، فإن ذلك يعني أن الفئات الأكثر احتياجاً لن تحصل على الدعم الكافي بشكل مستمر، وأن الاستفادة ستكون انتقائية ومتقطعة.
بين محاربة الفقر ومحاربة الفقير
لطالما كان الحديث عن الحدّ من الفقر ومحاربته مجرد شعارات رنانة، خاصة وأن السياسات الاقتصادية ومنذ الانتقال إلى اقتصاد السوق عام 2005 وإلى الآن، تسير في اتجاه معاكس تماماً.
وقد قامت السلطة بمجموعة من الإجراءات التي تُبرز هذا التناقض، أبرزها: مسيرة إنهاء الدعم، وعمليات التسريح المستمرة، والتي تتم تحت مبررات مختلفة، مما يزيد من أعداد العاطلين عن العمل، ويدفع بشرائح واسعة من المجتمع نحو الفقر. بالإضافة إلى عدم استقرار سعر الصرف، والارتفاع المستمر في أسعار المواد والخدمات الأساسية، والذي أدى إلى مزيد من التآكل في القدرة الشرائية للمواطنين، وخاصة ذوي الدخل المحدود، ودفع بهم إلى دائرة الفقر، أو عمّق من فقرهم.
وفي قلب هذا الوضع المتردي، يتجلى إهمال القطاعات الحيوية (الزراعة والصناعة)، وغياب الدعم الحكومي، والسياسات المقوضة للإنتاج المحلي، والإغلاق شبه اليومي الذي تشهده المعامل والورش، ما يساهم في استمرار وتفاقم مشكلة البطالة والفقر. وذلك مقابل الاعتماد المتزايد على الاستيراد، وهيمنة اقتصاد الريع، الذي يخلق توزيعاً غير عادلٍ للثروة، ويفضّل قلّة منتفعة على حساب الغالبية العظمى من السوريين المفقرين.
الانتقال من البرامج إلى السياسات
إن البرنامج الذي تعمل عليه الوزارة بالكاد يلامس سطح الأزمة– رغم ما يحمله من إيجابية محدودة– ويحوّل الفقر من قضية هيكلية إلى «مشكلة إدارية» يمكن معالجتها «ببرامج». فالخطاب حول «الوقاية من الفقر» هو خطاب إنساني يخفي السياسات الطبقية، ويركز على فئات معينة تُحتوى عبر المساعدات، ويهمّش الغالبية المفقرة التي تشكل القسم الأكبر من السوريين، وتدفع بهم نحو مزيد من الفقر.
المطلوب اليوم، هو صياغة البرامج وفق سياسة وطنية شاملة، تشترك بها مختلف الوزارات، ويفعّل عبرها عمل النقابات والمجتمعات الأهلية؛ فمعالجة الفقر تتطلب مصارحة حقيقية حول السياسات الاقتصادية المتبعة، وتأثيرها على الفقراء، ومراجعة للنموذج التنموي، وتبني سياسات تضع العدالة الاجتماعية في صلب أولوياتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
 - 1248
 
     
 
            
            
                       
                       
                                
                                    فرح شرف