مشفى الأطفال في دمشق... وجع الطفولة المعلّقة بين الحياة والموت
رهف ونوس رهف ونوس

مشفى الأطفال في دمشق... وجع الطفولة المعلّقة بين الحياة والموت

في قلب العاصمة دمشق، يقف مشفى الأطفال الجامعي شاهداً على واقعٍ مؤلم تختصره الأرصفة المفترشة بالعائلات والأنين المتكرر في أروقة الانتظار. المشفى الذي شكّل لعقود الملاذ الوحيد المتخصص بأمراض الأطفال وتشخيصها، تحوّل اليوم إلى مرآةٍ تعكس انهيار القطاع الصحي، بعدما كان عنواناً للريادة في الخدمات والكفاءات.

حياة على قائمة الانتظار

الناس يقصدون المشفى من أقصى البلاد إلى أدناها، أملاً في سريرٍ أو حاضنةٍ أو منفسةٍ تنقذ حياة طفلٍ مهددة. ومع ذلك، يؤكد أحد الأطباء المقيمين في قسم الإسعاف أنّ نحو 500 طفلٍ يُراجعون يومياً مقابل 7 أسرّة فقط للحالات الطارئة، في ظل ضغطٍ هائلٍ يفرضه ضعف الإمكانيات وغياب البدائل الحكومية.

أما المشافي الخاصة، فتكاليفها الخيالية تصل إلى ملايين الليرات السورية لليلة واحدة في الحاضنة، ما يجعلها خياراً مستحيلاً لمعظم العائلات ذات الدخل المحدود.

علاجٌ مجاني.. من الماضي

لم يعد العلاج المجاني في المشافي الحكومية سوى ذكرى، إذ يضطر الأهالي لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية من الصيدليات الخارجية، نتيجة النقص الحاد في الأجهزة والمواد الأساسية داخل المشفى.

حتى الأطفال المصابون بسرطان الدم ينتظرون جرعتهم، والرضّع يترقبون تخريج طفلٍ آخر من الحاضنة للحصول على فرصة رعايةٍ طبية.

حريق زاد الطين بلّة

مع اندلاع حريقٍ في مستودعٍ تابع للمشفى يوم بداية الأسبوع الفائت، تفاقمت الأزمة أكثر. أُجلي المرضى كإجراءٍ احترازي، ونُقلت الحالات الحرجة إلى مشافي «المواساة» و»دمشق»، ما شكّل ضغطاً مضاعفاً عليهما.

وتوقف استقبال المرضى مؤقتاً لحين إصلاح الأضرار، الأمر الذي زاد معاناة العائلات المنتظرة، وأطال فترات الانتظار في ظل غياب البدائل والدعم الكافي.

على الأرصفة... نزوحٌ مؤقت وتشردٌ إجباري

يقطع الأهالي مسافاتٍ طويلة من مختلف المحافظات بحثاً عن العلاج، ليصطدموا بواقعٍ قاسٍ يجبرهم على افتراش الأرصفة والممرات أمام المشفى، أو في حدائقه القريبة، بعد أن أنهكتهم تكاليف السفر والإقامة.

مشهدٌ اعتاده المارّة على قسوته: عائلات تنام على الأرض حفاظاً على حق أبنائها في العلاج، في صورةٍ موجعة لكرامةٍ تُنتزع باسم البقاء.

كادرٌ متفانٍ رغم العجز

رغم محدودية عدد الأطباء والاختصاصات، فإن الكادر الطبي في مشفى الأطفال يعمل بدافعٍ إنساني وأخلاقي يفوق طاقته.

يبذلون جهوداً مضاعفة، خصوصاً في أقسام الإسعاف، ويتخذون قراراتٍ صعبة بالمفاضلة بين الحالات وفق معيار الخطورة لا المحسوبيات، في ظلّ نقصٍ حادّ في الإمكانيات، ما يضعهم أمام ضغوطٍ قاسية لا تُحتمل.

حلولٌ ترقيعية ووعود مؤجلة

الأزمة لا تُحل بحملاتٍ تطوعية، أو مساعداتٍ إنسانية محدودة، فهي مسكنات لا تغيّر الواقع.

التصريحات الرسمية عن النية في إنشاء مراكز إيواء للمرافقين، أو تحسين ظروف الانتظار لا تكفي، فالواقع يستدعي خطة وطنية شاملة، تبدأ من تأهيل البنية التحتية وتوفير المستلزمات والأدوية، وصولاً إلى استحداث مشافٍ مشابهة في المحافظات لتخفيف الضغط عن العاصمة.

فترك مريضٍ لمصيره يدين دولةً بأكملها تجاهلت مسؤوليتها، لأن الحق في العلاج ليس ترفاً، بل واجباً وطنياً وإنسانياً، وحين يضيع هذا الحق، لا معنى للسيادة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1248