وزارة الاقتصاد تلزم المنتجين والمستوردين بتدوين الأسعار.. خطوة إيجابية وردود متباينة
قرار جديد يثير موجة من ردود الفعل بين المؤيد والمعارض، فقد أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة في 12 تشرين الأول، القرار رقم 677، المعني بإلزام جميع المنتجين والمستوردين بتدوين السعر النهائي للمستهلك، بشكل واضح ومقروء، وغير قابل للإزالة والمحو عن المنتجات.
ومنحَ القرار المنتجين والمستوردين مهلة تنتهي في 31 كانون الأول 2025 لتصريف المنتجات غير المدون عليها سعر البيع. ويهدف هذا الإجراء إلى ضبط الأسواق والحد من التلاعب والغش بالأسعار، وضمان حقوق المستهلكين في معرفة السعر قبل الشراء.
خطوة نحو تنظيم السوق
يحمل هذا القرار في طياته أبعاداً إيجابية متعددة، تساهم في استعادة الدولة لسلطتها التنظيمية، عبر إعادة تفعيل دور الرقابة التموينية، وفرض الشفافية ومنع التلاعب بالأسعار في حلقات التجارة المختلفة.
فما يشهده السوق من تقلبات حادة في الأسعار، وتراجع مستمر في القدرة الشرائية للمواطنين، يفرض على الدولة تدخلاً فعالاً بالضد من ممارسات الاحتكار والتحكم بقوت الناس واحتياجاتهم السلعية المختلفة، وهو فرصة ليعيد شيئاً من التوازن لصالح المستهلك، وهو الطرف المتضرر في جميع المعادلات التجارية. كما يتيح القرار للمواطنين أن يكونوا جزءاً من عملية الرقابة.
عوائق حقيقية أمام التطبيق أم ذرائع؟
بينما يبدو في الظاهر أن بعض الاعتراضات تستند إلى حجج قوية، مثل: ارتفاع التكاليف الإنتاجية، التي تشمل أسعار المواد الخام، والضرائب، وأجور الأيدي العاملة، أو توقف الشاحنات على المنافذ الحدودية لمدة تصل إلى 7 أيام، إلا أنها في أغلبها ذرائع تهدف للحفاظ على الفوضى السعرية الحالية، وتعظيم الأرباح على حساب المواطنين؛ فالمشاكل التي يتم طرحها من قبل بعض المستوردين والمنتجين هي في معظمها مشاكل لوجستية منفصلة عن موضوع الشفافية السعرية.
كما أن استخدام بعض التجار والمتحكمين بالأسواق ذريعة «تقلب سعر الصرف» بشكل متكرر كحجة رئيسية لتبرير عدم تثبيت الأسعار، يتعارض مع حقيقة احتسابهم للتكاليف بناء على سعر دولار تحوطي أعلى من السعر الرسمي والموازي معاً، ما يتيح لهم تغطية «مخاطر» تقلبات سعر الصرف، بل وتحقيق أرباح كبيرة لبعض المنتجات والسلع.
والمفارقة التي تكشف زيف هذه الذريعة، تكمن في سلوك التجار أنفسهم، الذين يسارعون إلى رفع الأسعار بمجرد حدوث ارتفاع طفيف في سعر الصرف، فيما لا يبدون أي استعداد لخفض الأسعار مع انخفاض سعر الصرف.
تحديات حقيقية
إن المراسيم المتعلقة بحماية المستهلك ليست جديدة؛ فالمرسوم التشريعي رقم (8) والصادر في نيسان 2021، يلزم المستوردين والمنتجين بتقديم كشوف حول التكاليف الحقيقية، ما يضمن الشفافية، ويمنع التضخم المصطنع للتكاليف.
بالإضافة إلى تطبيق هوامش ربح قانونية لكل حلقة تجارية، وهو ما يمنع أي حلقة من استغلال موقعها لفرض أسعار مبالغ فيها، وتكون أي زيادة في السعر ناتجة عن تكاليف حقيقية، وليست جشعاً تجارياً.
وبالتالي، فإن التحدي الحقيقي لا يكمن في إصدار القرار، بل في ضمان تطبيقه الفعال، والمنصف على الجميع، بدون استثناء أو محاباة. ما يستلزم معالجة بيئة الفساد التي تسمح بالتهرب، وهذا يحتاج إصلاحات هيكلية في الأجهزة الرقابية، وتعزيز آليات المساءلة، وتعزيز دور المجتمع في مراقبة الأداء الحكومي، وتجفيف منابع الرشوة والواسطة التي تمكّن بعض الفعاليات من الإفلات من العقاب، بالإضافة إلى ضرورة الإعلان بشفافية عن عمليات الرقابة ونتائجها. وذلك بالتوازي مع سياسات نقدية تساهم في استقرار سعر الصرف، وتدعم الإنتاج المحلي.
فالنجاح لا يكمن في القرار نفسه، بل في القدرة على تحويله من حبر على ورق إلى ممارسة، ومن إجراء إداري إلى آلية تعيد تعريف علاقة الدولة بالسوق والمواطن، حيث أن القضاء على آفات الفساد والاحتكار يتطلب إرادة سياسية قوية، وتطبيقاً صارماً للقانون، ورقابة مستقلة وشفافة، وإلا ستبقى أي جهود لإصلاح السوق مجرد محاولات جزئية وشكلية لن تحقق الأثر المأمول منها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
 - 1248
 
     
 
            
            
                       
                       
                                
                                    سلمى صلاح