انهيارٌ في مبنى السرايا... سوء في التخطيط أم عجزٌ في التنفيذ؟
طرح انهيار سقف مبنى السرايا القديم في وسط دمشق في 1 تشرين الأول، تساؤلات كثيرة حول مدى تطبيق معايير السلامة في عملية ترميم الأبنية الأثرية، وهل يغلب على أعمال البناء الطابع التجاري على حساب الأرواح؟
وقد سلطت الحادثة الضوء على ما يبدو أنه غياب التخصصية في إدارة وصيانة المواقع الأثرية والتاريخية، وعدم وضع دراسات كافية تراعي وضع المبنى، بالأخص أنه تعرض لحريق في شهر حزيران الماضي ما خلّف أضراراً ساهمت في هشاشته البنيوية.
أين الخبرات؟
إن ترميم المباني الأثرية ليس مجرد عملية بناء تقليدية، بل عمل يتطلب تضافر جهود عدد من التخصصات الدقيقة؛ فعدم مشاركة مهندسين إنشائيين ولجان مختصة، يمتلكون المعرفة اللازمة بهذا النوع من البناء وتحليل نقاط الضعف فيه، يؤدي– وأدى– إلى قرارات تضرّ بسلامة المبنى والمواطنين.
فبالإضافة إلى عوامل الإهمال والأضرار السابقة، ساهم الحريق الذي اندلع في حزيران في ضعف البناء، ولم يعكس الترميم تقييماً شاملاً لحالة الأضرار الحقيقية، ما جعل المبنى عرضة لتداعيات أكبر تحت أي ضغط إضافي أو حركة مفاجئة. خاصة وأن التشققات في سقف المبنى لم تكن خافية على أحد.
إشكالية الرقابة والشفافية
رغم تحمل المحافظة في بيانها المسؤولية عن الانهيار الذي طال سقف المبنى، إلا أنها لم تُفصح عن آليات الرقابة التي اعتمدتها، وإن كان هناك لجنة رقابية معينة كشفت على المبنى وقيّمت حالته قبل البدء بأعمال الترميم. فحادثة الانهيار تلقي بظلالها على إشكالية غياب الرقابة الحقيقية وانعدام الشفافية، وتقصي الدور المجتمعي في الحفاظ على الممتلكات العامة.
فغياب آلية رقابية مستقلة يفتح الباب أمام التهاون والإهمال، ويجعل من حوادث الانهيار أمراً متوقعاً بدلاً من كونه استثناءً. وتحول الكارثة التي أودت بحياة عدد من العاملين من «إخفاق تنظيمي» إلى «حادث فردي» و«خطأ غير مقصود» كما في حادثة المعهد الموسيقي بمدرسة جودت الهاشمي. فيما يكشف تبرير الإخفاق المتكرر في عمليات الترميم عن منهجية عمل غير احترافية.
فجوة ثمنها أرواح
تكرُّر حوادث الهدم والانهيار «العَرَضية» والناجمة عن أخطاء من حلب إلى دمشق، تشير إلى أن الواقع غالباً ما تحكمه قرارات تجارية بحتة واجتهادات فردية، تؤدي إلى عواقب وخيمة، كانت كلفتها هذه المرة خسارة في الأرواح، بالإضافة إلى خسارة التراث والتاريخ والثقافة.
ولذلك، لا يمكن أن تترك قرارات الترميم للتقديرات الفردية أو الاعتبارات المالية، بل تتطلب منهجية علمية صارمة وتخطيطاً دقيقاً؛ فغياب التوليف بين المعرفة التقنية والممارسة العملية يخلق فجوة قاتلة. ولمواجهتها لا بد من تبني استراتيجية متكاملة، تشمل تعزيز دور الجهات الرقابية لضمان تطبيق المعايير الفنية والهندسية والتاريخية التراثية، وفرض عقوبات صارمة على المخالفين.
كما يجب تشجيع التعاون بين الأكاديميين والباحثين من جهة، والمهندسين والمقاولين من جهة أخرى، لضمان تبادل الخبرات وتطبيق أحدث الأساليب التقنية، والاستثمار في التعليم والتدريب المتخصص في مجال الترميم، وخاصة للمعالم التاريخية والتراثية، وتأهيل الكوادر اللازمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1247