مشتقات الحليب في ارتفاع... والورش والمعامل تُغلق أبوابها!
سلمى صلاح سلمى صلاح

مشتقات الحليب في ارتفاع... والورش والمعامل تُغلق أبوابها!

تواجه صناعة الألبان والأجبان تحديات كبيرة، تتجلى بوضوح في ضعف القطاع، وارتفاع تكاليف الوقود والتخزين والنقل، وقد أشار أحمد السواس، مسؤول التعاون في الجمعية الحرفية للأجبان والألبان بدمشق، أن 70% من 500 ورشة ومعمل مسجلين في الجمعية، لم يعودوا قادرين على تسديد اشتراكاتهم.

فيما أغلقت العديد من الورش الصغيرة أبوابها، جرّاء ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما ساهم في انخفاض المعروض وارتفاع الأسعار. وبينما يعزو التجار هذه الزيادات إلى حماية مستورداتهم، أو بسبب التهريب، أو ضعف الإنتاج، إلا أن هذا التراجع يعني مزيداً من البطالة ومزيداً من المواد الغذائية الأساسية المشطوبة أيضاً عن موائد السوريين.

تقلبات الأسعار

تشهد الأسواق ارتفاعاً في الأسعار، وتفاوتاً بين مدينة وأخرى، ومنطقة وأخرى، وحتى بين محل تجاري وآخر، حيث يتراوح سعر كيلو الجبنة البلدية بين 40,000 و55,000 ليرة حسب الجودة، والجبنة الشلل 72,000 ليرة، والمسنّرة 56,000 ليرة. وقد شهدت الأجبان ارتفاعاً بنسبة 68% خلال ثلاثة أشهر فقط.

ومن المفارقات التي تثير الدهشة، أن سعر كيلو الحليب بلغ 7500 ليرة، وهو السعر نفسه والذي كان عليه عندما كان سعر الصرف 15 ألف ليرة، ما يشير إلى أن العلاقة بين سعر الصرف والأسعار ليست مرتبطة بالمبررات المعتادة فقط، حول آليات العرض والطلب، أو التكاليف أو الاستيراد، بل تُعزى إلى عوامل مثل الاحتكار، وجشع التجار، وغياب الرقابة على الأسواق.

وبالرغم من أن مشتقات الحليب المستوردة ما زالت أعلى من الإنتاج المحلي، إلا أن السلع التركية باتت تقارب في أسعارها المنتجات المحلية، جرّاء الارتفاع الأخير بسعر الصرف، فقد بلغ سعر قالب الزبدة المحلي 13,000 ليرة وسطياً، بينما التركي الشبيه بالنوع 15,000 ليرة لنفس الوزن.

تراجع الاستهلاك وتداعياته

لم يعد الراتب الشهري، الذي لا يتجاوز في كثير من الحالات مليون ليرة، كافياً لتغطية أي من الاحتياجات الأساسية، ما دفع المزيد من الأسر نحو التقشف والحد من الإنفاق حتى على السلع الضرورية. فالارتفاع المستمر أجبر العديد منهم على اللجوء إلى اللبن الصناعي الأرخص، رغم أنه أقل جودة.

كما أن زيادة الحد الأدنى لتكاليف الغذاء خلال الأشهر الثلاثة الماضية، من 3,6 مليون إلى 4,3 مليون، يعني أن نسبة أكبر من دخل الأسرة تذهب إلى تلبية الاحتياجات الأساسية من الطعام، مما يترك القليل أو لا شيء للتعليم أو الصحة، أو أي من جوانب ضرورات الحياة الأخرى.

وتجلّى هذا الانهيار في القدرة الشرائية في تحول أنماط الاستهلاك بشكل جذري على مدار السنوات الماضية؛ فبعد أن كانت المونة طقساً محبباً، وكانت الأسر تشتري ما بين 20-30 كيلوغراماً من الجبن للتموين الشتوي، أصبحت الآن تكتفي بأقل من حاجتها، بعد أن وصل الكيلو إلى عتبة الـ 50 ألف ليرة. ويعكس هذا الحال سياسة «اليوم بيومه» التي تضطر الأسر إلى اتباعها، حيث تركز على تلبية الاحتياجات اللحظية، وإعادة ترتيب أولوياتها. فهذا النمط الاستهلاكي القائم على الحد الأدنى جعل من البقاء على قيد الحياة هدفاً أسمى!

أزمة متعددة الأبعاد

ترتبط تقلبات أسعار مشتقات الحليب وارتفاعها المستمر باستقرار سعر الصرف، وأسعار الأعلاف، ومستوى الإنتاج، ما يتطلب دعماً حكومياً عاجلاً يتبنى سياسات داعمة للإنتاج المحلي؛ توفر الحوافز اللازمة للورش والمزارع لزيادة الإنتاجية، وتقدم الدعم الكافي للمدخلات الأساسية، لا أن يكون الحل المزيد من الاستيراد، ومحاباة التجار على حساب قوت ومعيشة المواطنين.

فمؤشرات تراجع الاستهلاك ليست مجرد أرقام، بل انعكاساً لواقع مؤلم تعيشه ملايين العائلات، ويترتب على الاستمرار بهذا النهج نتائج كارثية يدفع ثمنها الغالبية المفقرة من السوريين، سواء بتراجع قدرتهم على تلبية احتياجاتهم، أو خسارة أعمالهم ووظائفهم نتيجة الإغلاق المستمر للورش والمعامل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1247