نكبة جديدة... حرائق شطحة تفتح جرحاً آخر في جسد السوريين

نكبة جديدة... حرائق شطحة تفتح جرحاً آخر في جسد السوريين

لا يبدو أن للحزن نهاية في حياة السوريين. فما إن يلتقطوا أنفاسهم من مأساة حتى تأتي أخرى أدهى وأقسى. أمس، كانت النيران في بلدة شطحة بريف حماة الغربي أشد قسوة من أن تُحتمل؛ ألسنة لهب خرجت عن السيطرة، التهمت البيوت والحقول، وامتدت بلا رحمة إلى المناطق السكنية، لترسم فاجعة جديدة على وجه هذه البلاد المنهكة.

مدنيون أصيبوا بحروق وجروح متفاوتة، بعضهم نقل إلى مشفى السقيلبية الوطني، بينما الحالات الحرجة حُملت على عجل إلى مشفى حماة الوطني بحثاً عن فرصة للحياة وسط تجهيزات طبية بالكاد تكفي. لكن ماذا عن المنازل التي صارت رماداً، والذكريات التي ابتلعتها النيران؟ تلك لا يعيدها دواء ولا إسعاف ولا أي مستشفى في الدنيا.
الحرائق لم تتوقف عند حدود شطحة، بل امتدت من سهل الغاب حتى ريف اللاذقية، مخلفة وراءها نزوحاً جديداً لعشرات العائلات. وجوه الأطفال المذعورين، النساء الهاربات بملابسهن فقط، والشيوخ الذين لا يعرفون إلى أين يذهبون، كلها مشاهد تختصر عمق المأساة. وكأن السوري لم تكفه حرب دمرت عمره، وحصار سرق قوته، وفقر أذلّه، حتى تأتي النار لتشرده مرة أخرى، وتقول له: «لا أمان لك هنا».
ومع ذلك، وسط هذا الخراب، تبرز مشاهد مدهشة للصمود. بعض الأهالي رفضوا مغادرة بيوتهم وأراضيهم، تشبثوا بجذورهم كما تتشبث الأشجار بالأرض. وقفوا في وجه النيران بأدوات بدائية: دلاء ماء، فروع أشجار، وأيدٍ متعبة لكنها مملوءة بالإصرار. وكأنهم يقولون للنار: قد تحرقين أجسادنا، لكن لن تقتلعينا من أرضنا. هذا العناد البسيط، الممزوج بالدمع والعرق، هو آخر ما تبقى من معنى الكرامة والانتماء في حياة تتآكلها الكوارث.
مدير مؤسسة المياه في حماة، المهندس عبد الستار العلي، أطلق صرخة استغاثة للمنظمات الإنسانية لتأمين مياه الشرب للنازحين.
يا للمفارقة! شعب يطلب قطرة ماء بعدما ابتلعته ألسنة النار. هل هناك صورة أبلغ من هذا لتجسيد قسوة الحياة وانعدام العدالة؟
الغضب يتصاعد كلما تساءلنا: أين خطط الطوارئ؟ أين الاستجابة السريعة؟ لماذا تُترك القرى والبلدات لمصيرها المجهول كلما وقعت كارثة؟ أليس من حق الناس أن يشعروا أن هناك من يحميهم أو على الأقل من يطفئ النار قبل أن تصل إلى بيوتهم وأحلامهم؟
لقد اعتاد السوريون أن يدفعوا وحدهم فاتورة كل مصيبة: الحرب، النزوح، الفقر، واليوم الحرائق. كأن القدر اجتمع ضدهم، وكأن العالم كله يشيح بوجهه عن معاناتهم. لم يعد لديهم سوى الرماد المتطاير من منازلهم، ومرارة السؤال الذي لا يجد جواباً: إلى متى؟
هذه البلاد التي كانت يوماً خضراء، عامرة بسهولها وغاباتها، تحولت إلى مسرح مفتوح للخراب. والناس الذين يستحقون حياة كريمة وأمناً وكرامة، يُتركون للموت والتشرد بلا سند. كل كارثة جديدة تكشف عجزاً أكبر، وتزرع ألماً أعمق، وتترك جرحاً لا يندمل.
إنها ليست مجرد حرائق، بل صفعة جديدة على وجه السوري الذي يصرخ منذ سنوات ولا يسمعه أحد. رماد شطحة اليوم ليس سوى رمز آخر لفقدان العدالة، لخذلان العالم، ولنزيف لا يتوقف في جسد وطن أُنهك حتى العظم. ومع ذلك، يبقى السوري متمسكاً بترابه، يحاول إطفاء النار بيديه العاريتين، وكأن بقاءه في أرضه هو آخر أشكال المقاومة الممكنة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1237