المتقاعدون... هل تُصرف الرواتب بالكلمات أم بالسيولة؟

المتقاعدون... هل تُصرف الرواتب بالكلمات أم بالسيولة؟

مرة جديدة يطلّ علينا حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور عبد القادر الحصرية محمّلاً بعبارات التقدير والاحترام للمتقاعدين، وكأن الكلمات تكفي لإطعام أسرٍ تنتظر بفارغ الصبر قبض رواتب بالكاد تكفي لسد رمقها. 

تصريحات الحاكم جاءت لتعلن عن إجراءات «هامة» قيل إنها ستسهل قبض الرواتب: تحويل متواتر، سيولة جاهزة، صرافات مفعّلة، ربط مع مؤسسة البريد... إلى آخره من عبارات منمقة.
لكن على الأرض، الواقع صادم ومؤلم. فالمتقاعد الذي خدم الدولة عقوداً من الزمن، وقدم سنوات عمره في الوظائف العامة، يخرج اليوم ليستجدي راتباً لا يتجاوز في أحسن حالاته بضع مئات الآلاف، ويصطدم بجدار من العراقيل والقيود التي لا تُحَلّ ببيانات صحفية ولا بخطابات «حرص واهتمام».

السقف اليومي... إذلال معلن

لماذا لم يُلغَ سقف السحب اليومي والأسبوعي حتى اللحظة؟! كيف يُقال للمتقاعد إنه يستطيع قبض راتبه دفعة واحدة، فيما الصراف يرفض أن يمنحه أكثر من 600 ألف ليرة في اليوم والأسبوع؟! هل على الرجل السبعيني أن يقف كل أسبوع أمام صراف معطل أو مزدحم، ليجمع راتباً بالكاد يكفي دواءه وفاتورة كهربائه؟! أليست هذه إهانة موصوفة؟

صرافات معدودة... وجيش من المنتظرين

في بلد يضم ملايين المتقاعدين، ما زالت الصرافات الآلية قليلة، قديمة، تتعطل أكثر مما تعمل، وتنفد سيولتها خلال ساعات. الوعود بتغذيتها «مرتين يومياً» غير كافية، فيما نشاهد الطوابير تمتد عشرات الأمتار أمام كوة وحيدة أو جهاز يتوقف فجأة. أليس من الأولى زيادة عدد الصرافات بدلاً من الاكتفاء بالتصريحات؟

ساعات العمل... أبواب مغلقة في وجه الحاجة

ما زالت البنوك ومؤسسة البريد تلتزم بالدوام الرسمي المحدود، ربما مع ساعات عمل إضافية محدودة، وكأن المتقاعد يملك ترف الانتظار حتى يوم الغد أو بعد العطلة. لماذا لم يُصدر قرار بفتح الصرافات حتى آخر الليل مع إغلاق الأسواق مثلاً شرط استمرار تغذيتها بالسيولة، خاصة في الأيام الأولى من صرف الرواتب؟ لماذا يترك المتقاعد يركض خلف نافذة تغلق قبل وصوله إليها؟

وعود في واد... وواقع في واد

الحقيقة المُرّة أن ما يقوله الحاكم شيء، وما يعيشه المتقاعدون شيء آخر. نعم، تُضَخُّ البيانات الرسمية بالاحترام والتقدير، لكن هل التقدير يُصرف من الصراف؟ هل الكلمات تُغني عن الراتب المقطوع إلى حصص يومية؟ هل الوعود تكفي لشراء الدواء أو دفع فاتورة؟
المتقاعد اليوم يشعر أن الدولة تعامل معاشه وكأنه «منحة» لا حق، وكأنها تتفضل عليه بما تبقى من عمره، بينما الحقيقة أنه حق مكتسب من عرق السنين.

المطلوب اليوم: أفعال لا بيانات

  • رفع سقف السحب اليومي فوراً ليتناسب مع قيمة الرواتب.
  • زيادة عدد الصرافات في المدن والأرياف على حد سواء.
  • تمديد ساعات العمل وفتح منافذ استثنائية وقت الذروة.
  • تأمين السيولة بشكل مستمر لا عبر الوعود المتكررة.

وإلا فإن حديث الحاكم وكل المسؤولين سيبقى مجرد «خطابات علاقات عامة» لا تشبع جائعاً ولا تداوي مريضاً.
إن المتقاعدين الذين خدموا الدولة لعقود طويلة يستحقون أكثر من كلمات منمقة. يستحقون أن يقبضوا رواتبهم كاملة، بكرامة، دون إذلال، ودون أن يُذلوا في طوابير الانتظار. لأن الكرامة ليست شعاراً يُرفع، بل حقاً يُصان بالفعل لا بالقول.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1239