ثلاثية الجحيم تلتهم صيف السوريين

ثلاثية الجحيم تلتهم صيف السوريين

في هذه الأيام، يختبر السوريون صيفاً لا يشبه أي صيف، فصلٌ صار عنوانه العطش والحر والعتمة. ثلاثية قاتلة تجتمع في وقت واحد، موجة حر خانقة تضرب البلاد، انقطاع كهربائي طويل، وشح مياه يهدد أبسط مقومات الحياة. مشهد يبدو وكأنه مقتطع من فيلم عن نهاية العالم، لكنه هنا، يوميات يعيشها ملايين البشر.

شمس تحرق الظل

مع ساعات الصباح الأولى، يبدأ اللهيب. درجات الحرارة في بعض المناطق تجاوزت 45 مئوية في الظل، لتجعل الهواء نفسه ثقيلاً لا يُتنفس. البيوت تتحول إلى أفران إسمنتية، والجدران تختزن النار طوال النهار لتعيد إشعاعها ليلاً، فتمنع عن الناس حتى لحظة راحة. لا نسمة باردة، ولا حتى نافذة مفتوحة تجلب شيئاً سوى هواء حار يلسع الوجه.
الأطفال يئنون تحت وطأة الحر، وكبار السن يلهثون بحثاً عن قليل من البرودة. كل شربة ماء تُحسب بحذر، وكل حركة داخل المنزل أو خارجه تتحول إلى عبء جسدي.

الكهرباء... الغائب الأكبر

أزمة الكهرباء بلغت حداً لم يعد يحتمله الناس. في كثير من المناطق، تأتي الكهرباء لساعات محدودة في اليوم– أو لا تأتي إطلاقاً في بعض الأيام– ثم تعود العتمة لتبتلع البيوت والشوارع. ساعة الوصل تتحول إلى سباق مع الزمن: شحن الهاتف- تشغيل الغسالة- محاولة إنقاذ ما تبقى من طعام في الثلاجة.
المولدات الخاصة صارت رفاهية لا يقدر عليها إلا القادرون، والبطاريات لم تعد تصمد أمام الانقطاعات الطويلة، حتى الشموع باتت ترفاً مكلفاً.

الماء... ندرة في زمن العطش

وكأن الحر والعتمة لا يكفيان، تأتي أزمة المياه لتكمل الحصار. الصنابير جافة في معظم الأحياء، والخزانات الفارغة تنتظر صهريجاً قد يأتي أو لا يأتي. الأسعار تضاعفت، والناس يضطرون لشراء كل لتر بثمن يثقل كاهلهم.
في ظل هذه الظروف، يغدو الاستحمام رفاهية، وغسل الملابس مغامرة، وحتى شرب الماء يتم بحذر شديد، خاصة في العائلات الكبيرة.

انعكاسات صحية واجتماعية خطِرة

هذه الأزمات الثلاثة لا تكتفي بخنق الحياة اليومية، بل تفتح الباب أمام كوارث صحية: ضربات الشمس، الجفاف، وأمراض الجهاز الهضمي بسبب تخزين المياه بطرق غير آمنة. المستشفيات نفسها تعاني من انقطاعات الكهرباء والمياه، ما يهدد حياة المرضى ويجعل تقديم الخدمات الطبية أصعب من أي وقت مضى.
أما على الصعيد الاجتماعي، فالإرهاق النفسي يتضاعف. الحياة تتحول إلى معركة يومية من أجل البقاء: كيف توفر الماء؟ متى ستأتي الكهرباء؟ كيف تحمي أطفالك من الحر؟ حتى أبسط تفاصيل الحياة باتت تحتاج تخطيطاً وجهداً مضاعفاً.

صيف بلا أفق

هذه ليست أزمة جديدة على السوريين، لكنها هذه المرة أكثر قسوة وتكاملاً في ضرب مقومات الحياة. لا حلول تلوح في الأفق، والناس بين خيارين أحلاهما مر: الصبر على الجحيم أو الهجرة منه. وفي كل يوم يمر، يتأكد شعورٌ ثقيل أن هذا الصيف لن يُنسى... لكنهم كانوا يتمنون أن يُنسى سريعاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1239