الموارد المائية في سورية... الواقع والتحديات والحاجة لخطة وطنية شاملة
تُعد الموارد المائية من أهم عناصر البنية الأساسية في سورية، لما لها من تأثير مباشر على الأمن المائي والغذائي والاجتماعي والاقتصادي، خاصة في بلد يعتمد بشكل كبير على الزراعة والصناعات المرتبطة بها.
إلا أن هذه الموارد تواجه في العقود الأخيرة تحديات كبيرة، أبرزها التغير المناخي- الجفاف- التلوث- التعديات على مصادر المياه- والإدارة غير المستدامة، ما أدّى إلى عجز مائي متزايد يهدد حاضر البلاد ومستقبلها.
الواقع الراهن للموارد المائية في سورية
تمتلك سورية مصادر مائية متنوعة تشمل:
الأنهار الدولية والمحلية مثل نهر الفرات- نهر العاصي- نهر الكبير الشمالي والجنوبي وغيرها.
المياه الجوفية المنتشرة في معظم الأحواض الداخلية.
الينابيع الطبيعية مثل نبع بردى والفيجة ونبع السن.
مياه الأمطار المستخدمة في الزراعة البعلية.
الموارد المائية المتجددة سنوياً
وفقًا لتقديرات قبل الأزمة (2010) والمراجعات الأحدث حتى 2023:
العجز المائي ومسبباته
رغم هذه الوفرة النسبية في المصادر، تعاني سورية من عجز مائي سنوي يُقدّر بـ 1 إلى 3 مليار م³، ويُتوقع أن يتزايد هذا العجز مستقبلاً بسبب عدة عوامل:
الجفاف وتغير المناخ، الذي يتجلى بانخفاض معدلات الهطل المطري بنسبة تصل إلى 25% في بعض المناطق منذ 1995، بالإضافة إلى زيادة موجات الجفاف، خاصة في شمال شرق البلاد، التي تُعدّ سلة غذاء سورية.
التلوث وتدهور جودة المياه، مثل تلوّث نهر العاصي وبعض ينابيع الشرب بالصرف الصحي والصناعي، وكذلك غياب الرقابة البيئية وتوقف مشاريع معالجة المياه في بعض المناطق.
الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية، بسبب حفر آلاف الآبار العشوائية، خاصة في سهل الغاب وغوطة دمشق، بالإضافة إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية بمعدلات مقلقة في السنوات الأخيرة.
نقص البنية التحتية المائية، خاصة تهالك شبكات الري والمياه التي يعود بعضها إلى عدة عقود، وكذلك فقدان نحو 40% من مياه الشرب بسبب التسرب في الشبكات.
النمو السكاني والتوسع العمراني، فتزايد عدد السكان وتوسع المدن زاد الطلب على المياه، وتضاعف استهلاك المياه المنزلية في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب.
أهمية وجود خطة وطنية شاملة لإدارة الموارد المائية
لماذا نحتاج إلى خطة وطنية الآن؟
لضمان الأمن المائي المتمثل بتأمين مياه الشرب للأجيال القادمة، وتحقيق العدالة في التوزيع بين الريف والحضر.
لحماية الأمن الغذائي، فالزراعة تستهلك معظم المياه، وارتباط الإنتاج الزراعي بالمياه يجعل من سوء الإدارة خطراً على توفر الغذاء الوطني.
لدعم الاقتصاد الوطني، فالمياه عنصر حيوي في الصناعات الزراعية والتحويلية. وتحسين الإنتاجية الزراعية يتطلب وفرة وجودة في المياه.
للحد من النزاعات المجتمعية، فالصراعات على مصادر المياه بين القرى والمناطق بدأت تظهر، لذلك فإن الإدارة الشفافة والفعالة ضرورية لمنع تأزم الأوضاع.
عناصر الخطة الوطنية المطلوبة
يمكن تلخيص الخطة بالنقاط الرئيسية الآتية:
إدارة الطلب وليس فقط العرض من خلال ترشيد الاستهلاك، وتقنين استخدامات المياه.
إعادة تأهيل البنية التحتية عبر تحديث شبكات الري والشرب، وبناء خزانات حصاد الأمطار.
استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل نظم المراقبة المائية الذكية، واستثمار الاستشعار عن بُعد لرصد الموارد.
إعادة استخدام المياه المعالجة وإدخال المياه المعالجة إلى الزراعة والصناعة، وإنشاء محطات معالجة جديدة في المدن الكبرى.
تحلية المياه (في المناطق الساحلية)، واعتماد تحلية محدودة لدعم الاستخدام المنزلي والصناعي.
التعاون الإقليمي والدولي، من خلال التفاوض مع دول الجوار (تركيا– العراق– لبنان) لتأمين حصة سورية من المياه، ودعم المؤسسات الدولية لمشاريع مائية مستدامة.
الماء أساس البقاء والتنمية
سورية تقف اليوم أمام لحظة حاسمة في تعاملها مع ملف المياه، فإما أن تُبادر إلى وضع وتنفيذ خطة وطنية متكاملة ومستدامة لإدارة مواردها المائية، أو تواجه تصاعداً في العجز المائي والذي سينعكس سلباً على جميع القطاعات الحيوية (الزراعة- الصناعة- الصحة- التعليم- والاستقرار المجتمعي).
فالاستثمار في المياه لم يعد خياراً، بل ضرورة أمن وطني واستراتيجي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1232