منحة الكهرباء لسورية... فرصة تنموية مشروطة أم تقويض للسيادة التقنية؟

منحة الكهرباء لسورية... فرصة تنموية مشروطة أم تقويض للسيادة التقنية؟

في تحول لافت في علاقة سورية بالمؤسسات المالية الدولية، وافق البنك الدولي في حزيران 2025 على تقديم منحة غير مستردة بقيمة 146 مليون دولار أمريكي لتحسين أداء شبكة الكهرباء السورية في خمس محافظات رئيسية.

تُعد هذه الخطوة، وفق وثائق رسمية منشورة على موقع البنك الدولي، أول تدخل تمويلي مباشر لصالح البنية التحتية في سورية منذ عام 2011، وهي تحمل أبعاداً فنية واقتصادية، لكنها تفرض أيضاً جملة من الشروط والإجراءات التي تستدعي قراءة هادئة ودقيقة، خصوصاً من منظور السيادة الوطنية.
وتجدر الإشارة إلى أن موقع البنك الدولي أفرد تبويباً خاصاً للمشروع يتضمن عدة تبويبات ونوافذ مرفقة بملفات PDF (أكثر من 5 ملفات) كل منها عدة صفحات، بينما بالمقابل، وللمفارقة، لم تنشر وزارة الكهرباء إلا خبراً عن المشروع دون تفصيلات.

المشروع... الأهداف... الجغرافيا... والارتباط الإقليمي

المنحة ستُستخدم لتنفيذ مشروع «Syria Electricity Emergency Project – SEEP»، تحت إشراف المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء (PETDE)، خلال فترة تمتد من 2025 حتى 2029.
الهدف هو إعادة تأهيل خطوط ومحطات كهرباء رئيسية في ريف دمشق، حمص، حماة، طرطوس، واللاذقية، بما في ذلك:
إصلاح خط النقل 400kV بطول 110 كم بين حماة وريف دمشق، وهو مسار تقني حيوي يعيد الربط الكهربائي الإقليمي بين سورية والأردن من الجنوب وتركيا من الشمال، تقدر نسبة تكلفتها 50-60% من موازنة المشروع.
تجديد وإعادة تأهيل شبكات 230/66kV ومحطات التحويل المعطوبة جزئياً، تقدر تكلفتها 20% من موازنة المشروع.
تزويد الشبكة بمعدات احتياطية لتحسين الجاهزية الفنية، تشمل القواطع والمحولات ووحدات التحكم الذكية، تقدر تكلفتها 5% من موازنة المشروع.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجهة المراقبة فنياً ستكون شركة هندسية دولية يتم اختيارها عبر مناقصة عالمية، وفق نظام المشتريات الخاص بالبنك الدولي، وتقدر تكلفتها 12% من موازنة المشروع.

الفوائد المرجوة... استقرار وتقنية

تحسين التغذية الكهربائية للملايين، خاصة في المناطق الساحلية والوسطى.
استعادة الاتصالات الفنية مع الشبكات الإقليمية عبر الخطوط المشتركة مع الأردن وتركيا.
تخفيف الأعباء التشغيلية عن قطاع الكهرباء المحلي، وتحقيق وفورات على المدى المتوسط.
تعزيز كفاءة المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء عبر التدريب- أنظمة الرقابة- وتقارير التقييم.
التحديات...

شروط تُهدد الاستقلال التقني

رغم أهمية المنحة، إلا أن الالتزامات التي تفرضها عبر آليات البنك الدولي تمثل قيوداً قد تؤثر على القرار الوطني بالجوانب الآتية:
هيمنة الرقابة الخارجية، حيث تُمنح صلاحيات الإشراف والتنفيذ العملي لشركة دولية «مستقلة»، ما يحد من قدرة الجهات المحلية على اتخاذ قرارات عاجلة أو تكتيكية خلال التنفيذ.
عبء إداري يتجاوز الطاقة المحلية، فالبنك يشترط تقديم تقارير ربع سنوية، ووثائق تفصيلية عن البيئة والسلامة الاجتماعية (ESF)، وخطط إدارة المخاطر، ونظام تلقي شكاوى، وجميعها تتطلب قدرات غير متوفرة في الكادر المحلي إلا نسبياً.
تكاليف غير تنفيذية مرتفعة، حيث يُصرف عادة ما يصل إلى 12% من قيمة المنحة (بحدود 17,5 مليون دولار من أصل مبلغ المنحة)، على الرقابة- الدراسات- والتقارير، دون أن ينعكس ذلك مباشرة على البنية التحتية أو حياة المواطنين.
خطر المسّ بالسيادة التقنية: فرغم أن المنحة «غير مشروطة سياسياً»، فإنها عملياً تُقيد قدرة الحكومة على التصرف بحرية في المال العام والقرارات التشغيلية، ما يُثير تساؤلات حول حدود الاستقلال الوطني في مثل هذه المشاريع.

التوازن المطلوب... كيف نستفيد دون أن نخسر السيادة؟

تشكيل لجنة وطنية مستقلة لإدارة المشروع تشرف على التنفيذ والتواصل مع البنك، وتوازن بين المتطلبات الدولية والمصلحة الوطنية.
الضغط لتقليص نفقات الاستشارات والإدارة الأجنبية وزيادة مخصصات التنفيذ المباشر داخل البلاد.
إلزام الجهة المراقبة الدولية بنقل المعرفة إلى الفريق المحلي تدريجياً، مع خطة إحلال جزئي للكوادر السورية.
رفض أي شروط لاحقة تمسّ الخيارات الاقتصادية أو البنية القانونية الوطنية.

فرصة تنموية تحتاج رؤية وطنية لحمايتها

ربما تكون المنحة الدولية فرصة نادرة لسورية، لكن الفائدة الحقيقية تكمن في إدارتها بوعي وطني وسيادي واحترافي ومبادر.
فالتنمية لا تأتي بالتمويل فقط، بل بكيفية استخدامه دون رهن الإرادة الوطنية أو تصدير القرار إلى الخارج.
وعلى الجهات المحلية أن تدرك أن كل دولار مشروط يحتاج إلى رؤية وطنية لحمايته من أن يتحول إلى أداة نفوذ تقني أو سياسي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1232