النفايات الصلبة والتلوث البيئي أزمة متصاعدة وآثار متعددة الأبعاد

النفايات الصلبة والتلوث البيئي أزمة متصاعدة وآثار متعددة الأبعاد

تشهد سورية منذ أكثر من عقد تدهوراً غير مسبوق في إدارة النفايات الصلبة، نتيجة الحرب، وانهيار البنية التحتية، وضعف السياسات البيئية.

فقد تحولت مشكلة النفايات من أزمة خدمية إلى خطر بيئي وصحي واجتماعي واقتصادي، يهدد استدامة الحياة في المدن والريف على حد سواء، بحسب بعض الدراسات والأبحاث الميدانية، المعززة بالأرقام والبيانات، التي أعدها مختصون في البيئة والصحة العامة.

واقع النفايات الصلبة في سورية

بحسب بعض الدراسات يُقدّر إنتاج النفايات الصلبة في سورية حالياً بأكثر من 7,500 طن يومياً، تتنوع بين نفايات منزلية، صناعية، طبية، وزراعية.
يتم التخلص من أكثر من 80% من هذه النفايات عبر الحرق أو المكبات العشوائية، دون أية معالجة بيئية.
12% فقط من النفايات تتم معالجتها في مراكز فرز وتدوير، معظمها يتركز في مدن الساحل السوري.
أدت الحرب إلى تدمير أكثر من 60% من البنية التحتية الخاصة بإدارة النفايات (مكبات، شاحنات، مراكز فرز)، بحسب دراسات صادرة عن بعض الجهات الأكاديمية والمنظمات البيئية.

التلوث البيئي الناتج عن النفايات

تلوث الهواء: حرق النفايات العشوائي ينتج عنه غازات سامة مثل الديوكسين والفورمالدهيد وثاني أكسيد الكربون. وفي مناطق مثل إدلب وريف حلب، ترتفع مستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) إلى ما يقارب 110 ميكروغرام/م3، وهو ما يفوق الحدود الآمنة بأكثر من 5 مرات، بحسب دراسات ميدانية منشورة أجريت في عام 2023.
تلوث التربة والمياه: العصارة الناتجة من المكبات (Leachate) تسربت إلى المياه الجوفية في محافظات مثل طرطوس والسويداء. وكشفت دراسات جامعية عن تركيزات مرتفعة من المعادن الثقيلة (مثل الرصاص والزئبق) في التربة القريبة من مكبات عشوائية، مما يشكل خطراً على الزراعة والصحة العامة.

الآثار الصحية

سجلت المشافي في مناطق شمال غرب سورية زيادة في الحالات الآتية:
التهابات الجهاز التنفسي بنسبة 40%.
الأمراض الجلدية بنسبة 25%.
حالات السرطان، خاصةً بين الأطفال، زادت بنسبة 15% في المناطق القريبة من المكبات، وفق إحصاءات مستندة إلى بيانات طبية من منظمات محلية. وفي بعض المناطق، مثل ريف دير الزور، تكررت حالات تفشي الكوليرا نتيجة تلوث المياه بالمخلفات.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية

على المستوى الاجتماعي تسبب تراكم النفايات في النزاعات المحلية بين السكان والمجالس الخدمية، وزيادة عمالة الأطفال في جمع القمامة، ما ينذر بأزمات اجتماعية أعمق.
على المستوى الاقتصادي تقدّر الخسائر السنوية نتيجة سوء إدارة النفايات بأكثر من 300 مليون دولار، وفق دراسة أجرتها جهات بحثية مستقلة.
وكذلك تعطيل السياحة المحلية نتيجة المظاهر البيئية المشوهة.
بالإضافة إلى زيادة كلفة علاج الأمراض الناتجة عن التلوث بنسبة 22% من ميزانية الصحة العامة، وفق بعض التقارير.

مقترحات عملية على المستوى الوطني

تحديث البنية التحتية عبر إنشاء مكبات صحية مغلقة بمواصفات عالمية، وتوفير أسطول شاحنات حديث لجمع النفايات، مع نظام رقمي لتتبع عمليات الجمع.
التوسع في الفرز وإعادة التدوير من خلال فرض فرز النفايات من المصدر (المنزل- السوق- المنشآت)، بالإضافة إلى دعم الصناعات المحلية لإعادة التدوير بمنح وتسهيلات ضريبية.
سن القوانين وتطبيق العقوبات بموجب نصوص قانونية بيئية وطنية شاملة، تحدد بوضوح مسؤوليات الجهات الرسمية والخاصة، مع فرض غرامات على من يرمي أو يحرق النفايات عشوائياً.
التوعية المجتمعية والتعليم البيئي، وإدخال مفاهيم البيئة وإدارة النفايات في المناهج الدراسية، مع إطلاق حملات توعية عبر الإعلام والمجتمع المدني، بالتعاون مع الجامعات والمنظمات.
دعم البلديات والمجالس المحلية بالتمويل المباشر من الحكومة أولاً، والمنظمات المحلية والدولية ثانياً. وتدريب الكوادر البلدية على إدارة النفايات الحديثة باستخدام التقنيات المتطورة.

الحاجة لبناء نظام بيئي وطني مستدام

إذا لم يُتخذ إجراء وطني عاجل، فإن أزمة النفايات في سورية قد تتحول إلى كارثة صحية وبيئية مستعصية.
إن الحل لا يكمن في ردود فعل مؤقتة، بل في ضرورة بناء نظام بيئي وطني مستدام، يعالج جذور المشكلة ويستثمر في الإنسان والطبيعة على السواء. وتكمن الأهمية في تبني حلول علمية قائمة على بيانات موثوقة ودراسات ميدانية شارك فيها مختصون، لضمان نهج متكامل وفعال لإدارة النفايات وحماية البيئة والصحة العامة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1232