المنظر الحضاري أهم من الجوع... حملة حمص الكبرى لطرد الفقر من الصورة!
تنفّست محافظة حمص الصعداء وأطلقت خطتها المتكاملة لمعالجة التسوّل.
لا، لا تفهموني خطأ، لم تعلن خطة لمكافحة الفقر أو البطالة أو انهيار الليرة أو تدني الرواتب أو انهيار المنظومة التعليمية والصحية، بل خطة متكاملة لمكافحة... الصورة القبيحة للفقر.
نعم، الصورة! فالحضارة في قاموس الجهات الرسمية ليست منظومة عدالة اجتماعية ولا شبكات أمان اقتصادي، بل هي صورة نظيفة لشارع نظيف، لا يعكّره طفل متسول أو امرأة تحمل رضيعاً وتطلب رغيف خبز على باب فرن.
الحضارة حسب الخطة، تبدأ من المظهر وتنتهي عند «ضبط الميدان».
محافظة حمص رصدت الظاهرة ميدانياً، وكأننا نتحدث عن وباء غريب تسلل إلى المدينة من كوكب آخر، وليس عن نتيجة منطقية لعقود من السياسات الاقتصادية التي أنتجت جيلاً كاملاً لا يعرف معنى الكفاف.
الفقر في هذا البلد لم يعد حالة فردية، بل صار هو القاعدة.
فقراء سورية لم يعودوا يسكنون على الأطراف، بل هم الأغلبية الصامتة، المنهكة، التي تعيش على فتات الدعم، إن وُجد.
تقول المحافظة إنها ستدرس حالات المتسولين وتحيل المحتاجين الحقيقيين إلى قنوات الدعم والرعاية. طيب، ممتاز، نحبّ هذه النوايا الطيبة!
لكن لحظة... من هم المحتاجون «غير الحقيقيين»؟
هل الطفل الذي يُجبر على التسوّل على إشارات المرور ليس محتاجاً؟
أم المرأة التي تعمل لدى شبكات تستغل فقرها، ليست محتاجة بل متآمرة على تشويه الصورة الحضارية؟!
ثم تقول المحافظة إنها ستتعامل مع «الاستغلال المنظّم للتسوّل» بالتنسيق مع الجهات الأمنية.
جميل! ولكن ألم يسبق لأحد أن خطر له أن يتعامل مع الاستغلال المنظّم للبلد كله؟
الاستغلال المنظم للثروات، للرواتب، للموارد، للناس!
الفقر نفسه أصبح مادة استثمارية عند بعض التجار، وبعض المسؤولين، وبعض «الشبكات» التي لا تتوقف عند الأطفال.
وتقول المحافظة إنها ستُطلق خطة «مرحلية» تتضمن بدائل دعم إنساني بمشاركة المجتمع الأهلي.
رائع! دائماً نعود إلى المجتمع الأهلي، كما لو أن على المواطن العادي أن يموّل الغذاء والتعليم والرعاية بدل الدولة. المواطن نفسه الذي قد يتحول إلى متسوّل غداً، هو الآن من يُطلب منه المشاركة في الدعم.
أيها السادة، لا تكافحوا التسوّل، كافحوا أسبابه.
لا تنظفوا الأرصفة من المتسولين بل نظفوا السياسات التي دفعتهم إلى الشارع.
فالحضارة لا تُبنى بمكانس بل بعدالة.
ولا صورة لمدينة حضارية وهناك أم تهرول خلف السيارات تطلب ثمن حليب.
ولا كرامة لبلد تصرّ حكومته على تجميل المشهد بدل معالجة الجرح.
قبل أن تطلبوا من الفقراء أن «يختفوا» لتحسين المنظر، اسألوا أنفسكم:
من دفعهم إلى الرصيف؟
ومن بقي جالساً في برجه العاجي يتحدث عن ضبط الميدان؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1232