جواز السفر ... وهم تخفيض الكلفة وحقيقة زيادتها
سارة جمال سارة جمال

جواز السفر ... وهم تخفيض الكلفة وحقيقة زيادتها

طرحت وزارة الداخلية يوم الخميس 26 حزيران تخفيضاً معلناً لتكلفة الجواز السوري في الداخل من مليوني ليرة إلى 1,600,000 ليرة، كإنجاز حكومي يُفترض أنه يصبّ في مصلحة المواطن ويخفف عنه الأعباء المالية.

إلا أن هذا الطرح يركز على الأرقام المجردة بناءً على العملة المحلية دون الأخذ بالاعتبار السياق الاقتصادي الكلّي والتحولات في قيمة الليرة، ويستخدم لغة تبدو منطقية للوهلة الأولى وتخلق إحساساً لدى المواطن بوجود جهود حقيقية لتخفيف معاناته.

ماذا وراء الأرقام؟

الحقيقة أن الواقع يكشف تجاهل القرارات الحكومية للتغيير الحاصل في سعر الصرف، فإذا كانت التكلفة سابقاً مليوني ليرة بسعر صرف (15,000)، فهذا يعني أن التكلفة كانت تعادل 133 دولاراً، أما بعد التخفيض إلى 1,6 مليون ليرة، ومع تغير سعر الصرف إلى (10,000) فإن التكلفة الفعلية ترتفع إلى 160 دولاراً.
بالتالي فإن كلفة جواز السفر ارتفعت فعلياً بنسبة 20,3%، وهذا في الواقع مؤشر على ارتفاع الأعباء الحقيقية التي يتحملها المواطن، بينما يتحكم كبار سماسرة الصرف والتجار والمستوردين بالدولار.
فالتخفيض «الاسمي» بالليرة يخفي زيادة فعلية في القيمة الشرائية للخدمة بالدولار، وهي التي أصبحت معياراً في ظل التدهور الاقتصادي. ويكشف عن تآكل القوة الشرائية للمواطنين، ما يجعلهم يدفعون أكثر مقابل الخدمة نفسها.

تحويل «التخفيض» إلى عبء

يُنذر هذا التخفيض ونقيضه المتمثّل بارتفاع القيمة الدولارية بتحوله إلى زيادة فعلية في العبء المالي على المواطن.
فبينما يحاول صانعو القرار الظهور بمظهر المتفهم لاحتياجات الناس، فإن سياساتهم الاقتصادية المتخبّطة تزيد في الواقع من معاناة الناس.
ويبدو أن «ارتفاع» قيمة الليرة– الذي لا يعكس حتى الآن تحسناً حقيقياً– ما هو إلا ترويج لواقع يُظهر عكس ذلك. حيث يبدو التخفيض الظاهري (20%) من تكلفة جواز السفر أشبه بـ «خدعة بصرية» لن تنجح في تجميل الواقع المرير، فيما المحصلّة هي تحميل المواطن أعباء إضافية تحت شعار «التخفيض».
وفي هذا السياق، تتحول رسوم الخدمات الحكومية إلى آليات لجمع الأموال واستنزاف المواطنين. ولا يقتصر هذا التناقض بين الشكل والمضمون على تكلفة الجواز، بل يتجلى في جوانب أخرى من الحياة الاقتصادية، يبدو فيها أن الدولة تتحول إلى أداة لتحقيق مصالح ضيّقة على حساب الأغلبية المفقرة.

الإنجاز الوهمي

يتلاشى التخفيض المعلن– الذي يبدو إيجابياً للوهلة الأولى– أمام تدهور مستوى المعيشة.
فالتخفيض الفعلي يُقاس بالقدرة على إحداث فرق إيجابي وملموس في حياة الناس، وليس بالقدرة على تخفيض الأرقام «اسمياً».
وليصبح التخفيض حقيقياً وملموساً، لا بد أن يتجاوز شعار «التخفيف» عن كاهل المواطن، وألا يكون محاولة لإنتاج «إنجاز اقتصادي» وهمي؛ فأي تخفيض في التكاليف بالعملة الوطنية، في ظل تآكل القدرة الشرائية، لا يمكن أن يكون حقيقياً ما لم يقترن بتغييرات اقتصادية تتجاوز لغة الأرقام المجردة وتتجه إلى معالجة جوهر الأزمة الاقتصادية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1232