مساعٍ مكررة لمنع الغش الامتحاني... ولكن!
مع بدء الامتحانات العامة للشهادات في سورية، ككل عام، يتكرر سيناريو الحد من الغش، مع محاولة وزارية ليكون أكثر إبداعية، لكن في كل مرة تجد نفسها أمام مشهد واحد كإجراء مشترك بين وزارتي التربية والاتصالات تحت عنوان «نزاهة العملية الامتحانية» لمنع الغش الإلكتروني.
فعلى مدى سنوات لم تجد وزارة التربية حلاً بديلاً لمنع الغش في امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية إلا التنسيق مع وزارة الاتصالات والتقانة، بأن يتم قطع الاتصالات والإنترنت خلال الفترة الامتحانية لمنع محاولات الغش وتسريب الأسئلة.
إجراء استثنائي
تزامن انطلاق امتحانات شهادة التعليم الأساسي لدورة عام 2025 يوم السبت بتاريخ 21 حزيران في مختلف المحافظات السورية، مع تنفيذ إجراء استثنائي من قبل وزارة الاتصالات والتقانة، تمثل في قطع جزئي ومؤقت للاتصالات الخلوية خلال فترة الامتحانات، وذلك بالتنسيق مع وزارة التربية لتعزيز نزاهة العملية الامتحانية ومنع الغش الإلكتروني داخل القاعات.
وبحسب البيان المشترك الصادر عن الوزارتين، فالحجب شمل خدمات الاتصالات الخلوية في نطاق جغرافي محدد ولفترة زمنية قصيرة وفق جدول زمني أٌعلن عنه سابقاً، دون أن يؤثر على خدمات الإنترنت الأرضي أو خطوط الطوارئ.
وأوضح البيان، أن هذا الإجراء يهدف إلى ضمان عدالة التقييم ويأتي في إطار حرص الحكومة على توفير بيئة امتحانية آمنة وموثوقة.
وصِف هذا الإجراء بأنه إيجابي نوعاً ما، وأقل تأثيراً على الحياة العامة التي بات عمودها الفقري الاتصالات والإنترنت.
وبعيداً عن الاستثناء الذي اتبعته الوزارتان هذا العام، فاعتماد الأسلوب نفسه- الذي يوصَف كل مرة «بالاضطراري» مع مبرر عدم وجود البدائل- فهو بحد ذاته اعتراف حكومي رسمي ومستمر ودائم، سابقاً وحالياً، بالفساد المتأصل.
الفساد والمساعي المستمرة
خلال سنوات سلطة النظام البائد، اختارت الحكومة معاقبة جميع المواطنين وتعطيل الحياة لإيقاف عملية الغش ولم تنجح لأن «دود الخل منه وفيه».
وفي الوقت الحالي، بعد مرور اليوم الأول للامتحانات، جاء إعلان القبض من قبل الجهات الأمنية في محافظة حماة على بعض أفراد شبكة تُروّج للسماعات اللاسلكية المخصصة للغش في الامتحانات، وما زال تعقبهم مستمراً، ولكم تخيُّل مدى انتشارها واستحواذ الكثير من الطلاب وسواهم عليها، في مدينة حماة وغيرها طبعاً، وما يترتب عليه من احتمالية الغش وتسريب للأسئلة وحلولها!
ولكن الأهم والأخطر، وغير المألوف سابقاً، هو مهاجمة سيارة تنقل أوراق امتحانية للمراكز من قبل مجموعة مسلحة في ريف درعا الغربي، ما أسفر عن اشتباكات بين قوى الأمن والمجموعة المهاجمة ومقتل أحد أفرادها وملاحقة بقية المهاجمين.
فهذا كله يشير إلى تجاوز الحظر والحجب، وهو ثغرة أمنية واضحة تهدد بالدرجة الأولى حياة الأفراد، كما نزاهة وأمن العملية الامتحانية التي تضعها الوزارة على رأس أولوياتها، على حد تعبيرها!
في المحصلة هذه أمثلة لحالات أُعلن عنها وطفت على السطح، ويبقى ما خفي أعظم!
والأخطر من ذلك الدلالة على استمرار وجود شريحة فاسدة تسعى إلى تكريس انعدام تكافؤ الفرص بين الطلاب، وللاستفادة من ذلك!
تكافؤ الفرص بين من يملك ومن لا يملك على المحك...
كنتيجة في حال تكرار تجاوزات مشابهة، وخاصة مع تفجر مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار ومنشورات متضاربة لتسريب أسئلة (كأسئلة العلوم العامة مثلاً)، مع غياب النفي أو التأكيد أو التبرير، فهذا قد يدل على ما يحاك أو قد حيك في مجموعات الظل بأساليب وطرق مستجدة، وبالتالي غياب العدالة والمساواة بين الطلاب، أي وضع مبدأ تكافؤ الفرص بينهم على المحك (بين من يملك المال أو النفوذ والسلطة، بل والسلاح، ومن لا يملك)، كما كان سائداً على مدى عقود في عهد النظام البائد من بيع وشراء أسئلة الامتحانات، وحتى مراكز امتحانية بأكملها، مما يجعل الوزارة أمام تحدٍّ كبير فيما يتعلق بإعادة النظر بسياسة العملية الامتحانية وضوابطها، خاصة مع اقتراب موعد امتحانات الثانوية العامة، التي لا تعتبر تحصيل حاصل، وإنما مفصلاً ومنعطفاً حياتياً يحدد مستقبل الطالب ومصيره التعليمي ومستقبله.
فالمطلوب اليوم أن تعيد الوزارة ترتيب أولوياتها فيما يتعلق بالمراقبة والمحاسبة والمساءلة وطرق وأساليب الوقاية من الغش، على أن يكون الطالب ومستقبله نصب عينيها، والأهم أن يكون مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب هو السائد والمطبق فعلاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1232