بريد سلمية؛ رسائل من ألم المفاصل مطلع كل شهر!
أنس عبيدو أنس عبيدو

بريد سلمية؛ رسائل من ألم المفاصل مطلع كل شهر!

صدر مرسوم يقضي بصرف منحة مالية، سبقت قدوم عيد الأضحى المبارك، عسى تعين المواطن السوري، الذي أنهكه اقتصاده المتأرجح بين هنا وهناك، كي يعيّد بأبسط المقومات التي بين يديه.

فلماذا إذاً يجب على هذا المواطن، أن يدفع ثمن هذه العيدية من صحته؟

منذ سقوط سلطة الأسد، لم يكتب لهذه البلاد بعد أن تنعم بنعمة «الانتهاء من الطوابير»، ولا يختلف الأمر كثيراً عمّا يحدث أمام بريد سلمية، تلك المدينة التي تقع في شرق حماه، والذي يعتمد سكانها بغالبيتهم- خاصة بعد قلة الأمطار لهذا الموسم- على المدخول الوظيفي، على ضآلته، ليعيلهم.
فمنذ أن عاد هذا البريد إلى العمل، كان حاله كحال المؤسسات التي عادت في فترة عدم الاستقرار، ومنذ أول دفعة وصلت إليه بعد شهور من الانقطاع، كان قد أثبت عجزه عن تلبية احتياج المواطن الستيني الذي صرف من عمره في خدمة مؤسسات الدولة، ليكون طابور قبض الرواتب أول المظاهر الفاقعة للعين في مدينة سلمية مطلع كل شهر، وقبل أن نلحق إدراك هذه المشكلة كانت هذه المنحة قد أتت لتمتزج الحشود ببعضها، فيكون للمنحة طابورها، وللرواتب ذات الحصة من الطوابير، فيما حصيلته مشكلتين على طابور واحد، فما السبب؟
بتواصلنا مع أحد المصادر الخاصة من داخل البريد، والذي كان يعمل على الأرض في إعانة الموظفين وأصحاب الحقوق من المتقاعدين، أكد لنا، أن الأسباب التي أدت إلى هذا الازدحام الخانق هو قلة الوعي الشعبي، بما أسماه مفهوم الدور، فمتقاعدوا التأمينات الاجتماعية، والحالمون بقبض رواتبهم قبل قدوم عطلة العيد، لا يعون، على حد قوله، إلى الآن أبسط مفاهيم الانتظام والاصطفاف، وأن هذا الأمر هو من الثقافة الشعبية، ليكون بنظره أحد المشاكل الرئيسية للازدحام!

لكن هل هذا ما قاله فقط؟

فعند سؤاله بالإبحار أكثر في الإمكانيات المتاحة للبريد، أكد أيضاً أن الموارد البشرية المتاحة فيه لا تكفي لتلبي احتياجات الناس!
فوجود موظفتان تعملان على كوتين فقط، وبطاقة استيعابية لا تتجاوز في تلبيتها مئتي مواطن في اليوم، لا يمكن لهما تغطية مئات المتقاعدين- من داخل المدينة والريف- الذين يودون قبض منحهم ورواتبهم في عمليتين منفصلتين، بالإضافة إلى العديد من عاملي الدولة من مختلف الفئات، دون أن ننسى أن الموظفتين هناك من البشر، فنتذكر دائماً وجود هامش ٍللخطأ البشري، والذي قد أصبح تحت الضغط أكبر من ذي قبل، فيؤخر بذلك عملية التقبيض، مفاقماً من معاناة الناس في الانتظار والتعب.
وكي لا نتوقف عند هذه المشاكل فقط، لا يغيب عن بالنا ذكر المشاكل اللوجستية التي يتعين على البريد تحملها أيضاً، والتي لم تتغير حتى حفظها المواطن عن ظهر قلب، من انقطاعات الشبكة المتواصلة «للنت والكهرباء»، وانتهاء السيولة الواصلة، وما يتبعها من توقيف للعملية، ومن ثم الاتجاه إلى حماه لجلب سيولة اضافية من هناك، فتنشط بذلك عملية التقبيض لساعات إضافية، إن تمت! وإن لم تتم، سيعاود المتقاعد قدومه في اليوم التالي، لتتكرر نفس الحلقة تماماً من الانتظار والتعب والوقوف، بما فيها من إذلالٍ وانتقاصٍ من الكرامة الشرية.
كل هذا وأكثر كان مصدرنا الخاص من داخل البريد قد حدثنا عنه، على أنه مشاكل اعتيادية، لا ريب فيها، أي أنها جزء من الروتين «البريدي» مطلع كل شهر، يزيد قليلاً أو ينقص!
إنما يبقى السؤال، طالما أن هذه المشاكل اعتيادية، وطالما أنها ظاهرة ومنذ شهور أمامنا، لماذا وإلى الآن لم يجد لها أحدٌ، من المعنيين تحديداً، حلاً يخفف من وطأتها؟ 
وهل سنبقى نعتمد على بعض الناشطين المجتمعين- الذين همّوا ليساعدوا في تنظيم الطوابير، فلولاهم قد يكون الوضع أكثر تعباً- دون أن نجد حلاً مؤسساتياً ونهائياً، لمشاكل توفر السيولة وانقطاعات الشبكة ونقص العمالة، يأخذ بعين الاعتبار راحة أصحاب الحقوق باعتبارهم مواطنين؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000