منحة عيد الأضحى... مبادرة عاجزة عن ملامسة عمق الأزمة
صدر المرسوم رقم 68 لعام 2025، والذي يقضي بصرف منحة مالية بمناسبة عيد الأضحى المبارك، للعاملين في الدولة والمتقاعدين. ووفق نص المرسوم، فإن المنحة تبلغ 500 ألف ليرة سورية للعاملين من المدنيين والعسكريين، و300 ألف ليرة للمتقاعدين، وتُصرف لمرة واحدة فقط، دون أي اقتطاعات أو ضرائب، وتشمل العاملين الدائمين والمؤقتين حتى العاملين بالأجر اليومي.
ورغم أن هذه المنحة تأتي في توقيت احتفالي يفترض أن يحمل الطمأنينة والفرح، إلا أن ردود الفعل التي أعقبت صدورها أظهرت أن الشارع السوري لم يتلقاها بالرضا الكامل، بل رأى فيها كثيرون مجرد «حل مؤقت» لا يرقى إلى مستوى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها أصحاب الدخل المحدود، وخصوصاً المتقاعدين.
المنحة بين التقدير الشعبي والخذلان الواقعي
قد يبدو مبلغ 500 ألف ليرة رقماً مقبولاً على الورق، لكنه في الواقع لا يوازي أكثر من بضعة أيام من الإنفاق الضروري، بالنظر إلى الارتفاع الجنوني في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية لليرة السورية. أما مبلغ 300 ألف ليرة للمتقاعدين، فيبدو وكأنه تمييز غير مبرر، يُكرّس الفجوة بين فئتين تعانيان أصلاً من ضعف الدخل وانعدام الأمان المعيشي.
وهنا يتساءل المتقاعدون بمرارة:
هل تُقاس الاحتياجات حسب النشاط الوظيفي؟ وهل الشيخوخة التي تتطلب علاجاً دائماً ورعاية صحية مستمرة أقل أهمية من دخل موظف ما زال في كامل عطائه؟
المتقاعدون... فئة منسية في سياسات الدعم
يعاني المتقاعد السوري من ظروف قاسية تتفاقم يوماً بعد يوم. فمعاشه الشهري غالباً ما لا يتجاوز مئات الآلاف القليلة من الليرات، وهو مبلغ لا يكفي حتى لتغطية تكاليف الأدوية الشهرية، ناهيك عن الغذاء أو المسكن أو متطلبات الحياة اليومية. هؤلاء خدموا الدولة عشرات السنين، واليوم يجدون أنفسهم في خريف العمر بلا حماية اجتماعية كافية، ولا عناية صحية مدعومة، ويشعرون بأنهم باتوا عبئاً بدل أن يُنظر إليهم كجزء أصيل من المجتمع.
الموظفون القائمون على رأس عملهم... منحة أم تأجيل للوعود؟
من جهة أخرى، تساءل موظفون كُثر عن مصير الوعود بزيادة الأجور، والتي طالما تم تداولها في الإعلام وعلى ألسنة المسؤولين. هل تأتي هذه المنحة لتسويف تلك الوعود، أم إنها تمهيد لإلغائها نهائياً؟
فالعامل الذي يتقاضى أجراً «هزيلاً» بالكاد يكفيه بضعة أيام، يحتاج إلى حلول جذرية، لا مجرد «مكافآت موسمية» أشبه «بـمسكنات وقتية» لا تغير شيئاً من الواقع المرير.
المنحة معفاة من الضرائب... ولكن إلى متى التجميل؟
أشار المرسوم إلى أن المنحة معفاة من الضرائب والاقتطاعات، في محاولة لتقديمها «كـهدية صافية». لكنّ ذلك لا يغير شيئاً من حقيقة أن هذه المنحة لا تمثل أكثر من إبرة تخدير في جسد يئن من أزمات متعددة، اقتصادية واجتماعية ونفسية.
فالمواطن السوري، سواء كان موظفاً أو متقاعداً، يحتاج إلى إصلاح بنيوي حقيقي لواقع الأجور، وإعادة نظر شاملة في أولويات الدعم والحماية الاجتماعية.
المنحة خطوة بلا أثر ملموس
في ضوء كل ما سبق، يمكن القول إن منحة عيد الأضحى تمثل خطوة رمزية، قد تحمل بعض الارتياح المؤقت، لكنها لا تمت بصلة إلى معالجة حقيقية لمعاناة أصحاب الدخل المحدود.
فالمطلوب اليوم هو أبعد من المنح الموسمية:
رفع الأجور بما يتناسب مع تكاليف المعيشة.
توسيع شبكة الحماية الاجتماعية.
ضمان كرامة العيش للمتقاعدين والموظفين على حد سواء.
إن من يضحي بعمره في خدمة الدولة، لا يستحق من الدولة منحة فقط، بل احتراماً دائماً وعيشاً كريماً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 0000