«شراكة STL» و «آراس كارجو» فرصة تطويرية لقطاع الشحن أم احتكار مقلق؟
في خطوة وُصفت بالاستراتيجية، أعلنت الشركة السورية التركية للخدمات اللوجستية «STL» عن توقيع عقد شراكة مع شركة «آراس كارجو» التركية، إحدى كبرى شركات الشحن في تركيا، لتوسعة نطاق خدمات الشحن إلى كامل الأراضي السورية بعد أن كانت مقتصرة على الشمال.
ووفقاً لوكالة «سانا»، تهدف الشراكة إلى بناء شبكة لوجستية شاملة مدعومة بأنظمة تتبع إلكترونية متطورة، ونقل الخبرات التشغيلية والتقنية من تركيا إلى سورية.
فماذا عن مصير الشركات المحلية والعاملين فيها؟
وماذا عن دور الجهات الرسمية المُغيب؟
فرصة تشغيلية وتطوير تقني
من حيث الشكل، تبدو هذه الشراكة خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحديث قطاع الشحن في سورية، الذي لطالما عانى من ضعف البنية التحتية ونقص أنظمة التتبع والرقابة.
ووفقاً لما تم الإعلان عنه، فإن المشروع سيتيح للأفراد والشركات السورية الوصول إلى المنصات العالمية واستلام المشتريات بكفاءة، كما سيعزز من صادرات المنتجات السورية إلى الخارج. كما أشار البيان إلى أن الشراكة ستسهم في خفض تكاليف الشحن الدولي وخلق فرص عمل جديدة، بالإضافة إلى دعم عمليات إعادة الإعمار عبر تدفق المواد والمنتجات بشكل أكثر كفاءة.
التسويق للشراكة كقفزة نوعية
من الواضح أن الإعلان عن هذه الشراكة يسوَّق لها «كـنقلة نوعية» في البنية التحتية اللوجستية، خصوصاً مع الحديث عن أنظمة تتبع متقدمة وشبكات توزيع حديثة تغطي كل الجغرافيا السورية.
هذا الطرح قد يُغري الشركات والأفراد الباحثين عن حلول أكثر كفاءة في عمليات الشحن والتصدير، ولا سيما في ظل شبح العقوبات وصعوبة التعاملات اللوجستية التي تواجه سورية.
غياب الحكومة... وصوت الاحتكار
لكن ما غاب عن البيان– وربما عن قصد– هو موقف الحكومة السورية من هذه الشراكة، وموقعها في هذا المشروع الضخم، الذي يحمل ملامح شبه حصرية لعمليات الشحن من الخارج إلى الداخل، ومن الداخل إلى الخارج.
فلا إشارة لدور وزارات النقل أو الاقتصاد، ولا إلى آلية تنظيم هذا التعاون، مما يفتح باب التساؤلات:
من الجهة التي سمحت بتمرير هذه الشراكة؟
وهل تم عرضها على الجهات المعنية لبحث أثرها على السوق المحلي؟
شراكة تحت مظلة «اقتصاد السوق الحر التنافسي...» أم تناقض معلن؟
من المثير للانتباه أن الحكومة السورية تبنّت رسمياً، في أدبياتها وتصريحاتها، شعار «اقتصاد السوق الحر التنافسي» كأساس لإعادة بناء الاقتصاد الوطني. ويعني هذا التوجه، نظرياً، فتح المجال أمام المنافسة العادلة بين الفاعلين الاقتصاديين، وإزالة العقبات التي تمنع تطور الشركات المحلية، مع الحد من الاحتكارات.
لكن ما يطرح إشكالية حقيقية هو مدى انسجام الشراكة المعلنة بين STL»» و«آراس كارجو» مع هذا الشعار.
فالشراكة– بطبيعتها الحصرية– تمنح طرفاً خارجياً نفوذاً كبيراً في قطاع حيوي كالشحن، من دون طرح واضح لمبدأ التنافس المفتوح أو منح الشركات السورية الأخرى فرصة مماثلة للمنافسة.
ففي ظل غياب أي إعلان عن مناقصة أو آلية شفافة لتحديد الطرف الأجدر بهذه المهام، يبدو أن ما جرى هو إقصاء فعلي لمبدأ التنافسية لصالح اتفاق شبه مغلق، ما يتناقض مع الخطاب الرسمي الاقتصادي ويهدد بتعميق الفجوة بين السياسات المعلنة والممارسات على الأرض.
احتكار يهدد العاملين المحليين
الأكثر إثارة للقلق، هو ما قد يعنيه هذا التعاون من شبه احتكار لخدمات الشحن والنقل، على حساب شركات الشحن المحلية الصغيرة والمتوسطة، وعلى حساب آلاف من أصحاب الشاحنات السوريين والعاملين في هذا القطاع.
فمع احتكار المسارات الدولية والتوزيع المحلي عبر شركة واحدة ذات امتداد تركي، ستجد هذه الشركات المحلية نفسها خارج دائرة المنافسة، عاجزة عن مواكبة الإمكانيات المالية والتقنية لشركات عابرة للحدود مدعومة بتقنيات رقمية ورؤوس أموال خارجية.
نحو تنظيم عادل وشفاف للشراكات اللوجستية
لتجنّب الآثار السلبية لشراكات غير مدروسة، وتفادي خلق احتكارات جديدة في قطاعات حيوية كالشحن، من الضروري أن تتخذ الحكومة السورية دوراً تنظيمياً فاعلاً يضمن التوازن بين جذب الاستثمارات الخارجية وتطوير البنية التحتية، من جهة، وحماية السوق المحلية والعمالة الوطنية، من جهة أخرى.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
فرض إطار قانوني واضح للشراكات الخارجية، يحدد نسب العمل المحلي والأجنبي، ويمنع الحصرية المطلقة لأي طرف.
إطلاق مناقصات عامة شفافة عند ترخيص شراكات دولية في القطاعات الأساسية، تتيح لكل الشركات السورية المؤهلة المنافسة العادلة.
إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة قطاع الشحن والخدمات اللوجستية، تُعنى بحماية مبدأ التنافسية ومنع الممارسات الاحتكارية.
دعم الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة عبر تسهيلات مالية وتقنية، لتمكينها من تحسين خدماتها ومجاراة المنافسة.
إشراك النقابات والجهات الممثلة لأصحاب الشاحنات والعاملين في القطاع في أي مباحثات تتعلق بإعادة تنظيم هذا المجال.
بهذه الإجراءات، يمكن تحويل مثل هذه الشراكات من تهديد محتمل إلى فرصة تنموية حقيقية، تضمن المصلحة الوطنية دون التضحية بالتنافسية أو العدالة الاقتصادية.
أسئلة مفتوحة وتحديات قادمة
بين التحديث والهيمنة، تتأرجح هذه الشراكة. فبينما لا شك في أن تطوير البنية التحتية اللوجستية أمر ضروري، إلا أن ذلك يجب أن يتم ضمن إطار وطني شفاف، يضمن حماية السوق المحلي وحقوق العاملين فيه، ويعزز من المنافسة الشريفة لا أن يكرّس الاحتكار.
تبقى الأسئلة مفتوحة:
ما الضمانات لعدم الإضرار بالقطاع المحلي؟
لماذا لم تعلن الحكومة السورية موقفها من هذه الخطوة؟
هل ستبقى الشراكة مجرد أداة تسويقية، أم بداية لتحول حقيقي في قطاع الشحن يراعي العدالة الاقتصادية والتنموية؟
في انتظار إقرار الميزانية النهائية للشراكة المعلنة وبدء التنفيذ، يبقى الرهان على الشفافية والمصلحة الوطنية، قبل أي أرباح تُجنى من شراكات عبر الحدود!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1229