قروض التسليف... إنذارات وتلويحٌ بالحجز
فرح شرف فرح شرف

قروض التسليف... إنذارات وتلويحٌ بالحجز

في حين لم يستفق موظف الدولة بعد من صدمة الفصل التعسفي، لم يتردد القطاع المصرفي بإنذاره عن تأخره في سداد ما تراكم عليه من أقساط غير مسددة. وينطوي هذا الإنذار على تهديد باتخاذ إجراءات قانونية لن تقف عند إمكانية الحجز على الممتلكات.

فيما يثير توقيت هذه الإنذارات تساؤلات حول الاستحقاقات القانونية والأخلاقية الواقعة على عاتق الحكومة، ومدى قابليتها واستعدادها للتعامل معها، وعلاج، الأزمات المعيشية المتفاقمة، بشكلٍ يضمن حماية الفئات الأكثر ضعفاً وتضرراً.

أزمة مركبة

كانت آلية «الاقتطاع» المتمثلة في خصم القسط مباشرة من راتب الموظف شهرياً فعالة سابقاً، وتضمن للبنوك استمرارية السداد وتقلل من مخاطر التعثر. إلا أن هذه الآلية تم إلغاؤها تلقائياً عند فقدان الوظيفة، مما خلق تحديات جسيمة، وجعل المُقترض، العاطل عن العمل الآن قسرياً، في حيرة وضيق أمام التزاماته المالية، فقد أضحى بدون دخل ثابت يغطيها.
تتفاقم الأزمة عند الأخذ في الاعتبار طبيعة الضمانات المقدمة للحصول على القروض. فقد لجأ العديد من الموظفين إلى الضمانات الشخصية، ما يُعرف «بالكفيل»، أو إلى ضمانات عينية مثل رهن عقار أو سيارة. حيث يحق للبنك بموجب التعهدات المبرمة المطالبة بهذه الضمانات في حال التخلف عن السداد. ما يعني أن الموظف الفاقد لوظيفته لا يواجه العبء المادي فقط، بل يواجه أيضاً خطر فقدان ممتلكاته أو تعرض الكفيل لمسؤولية مالية، ما يزيد من الضغط النفسي والاقتصادي على الأفراد المتضررين.

سداد... وإلاّ

تفرض طبيعة عمل المصارف، كمؤسسات تدير عملياتها وفقاً لمنطق الربح، صعوبة في اتخاذ قرارات «إنسانية» تُجّنب المقترض كارثة حتمية. 
فالمصرف يعمل بمنطق الربح والمخاطر المحسوبة، ومطالبته بالسداد، حتى من المفصولين تعسفياً، هو تجسيد للمنطق الذي يرى في الموظف المفصول «مخاطرة» تحققت ويستوجب إدارتها وتسويتها. 
فالقروض البنكية المصممة ضمن عقود تلزم المقترض بالسداد وفق جدول زمني محدد لا تراعي تغير الظروف المهنية، بما فيها فقدان الوظيفة. وفي ظل غياب قرارات أو توجيهات حكومية تعالج هذه الحالة الاستثنائية التي تسببت بها، أو تقدم حلولاً بديلة، سيلجأ البنك إلى اتخاذ إجراءات قانونية للمطالبة بقيمة القرض وما يترتب عليه من فوائد.

ضحية التحولات الاقتصادية السياسية

يقف الموظف الذي طاله الفصل التعسفي في مواجهة كيانات اقتصادية لا تعبأ بالواقع الإنساني، وهو يمثل الواقع المعيشي الصعب بكل تعقيداته ومعاناته. فقد وجد نفسه في حالة من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، لا تنتهي فيها التزاماته الأسرية والمعيشية بتوقف مصدر رزقه، بل وجدها تتضاعف بضغط من البنوك.
إن التداعيات القانونية المحتملة من حجز على الأصول، بما فيها رواتب مستقبلية إن وجدت، أو مطالبة الكفلاء بالسداد شخصياً، بالإضافة إلى إدراج اسم المقترض في لوائح المتخلّفين، لا تشكل عقوبات مالية فقط، بل تتحول إلى عقبات تحرمه من فرص التعافي المادي، وقد تشمل قيوداً تصل إلى حد المنع من السفر، ما يحوله إلى رهينة موقف وقرار،اقتصادي وسياسي رسمي، خارج عن إرادته.

الحكومة بين النوايا والضرورة

إذا لم تكن لدى الحكومة النية أو القدرة على إعادة الموظفين إلى دوائرهم وأعمالهم، وكذا تسديد مستحقاتهم منذ ستة أشهر، فلا بد لها في ظل الوضع الراهن من أن تأخذ دورها في خلق توليفة توجهات وقرارات جديدة، وتبنّي رؤية شاملة تضع «العدالة الاجتماعية» في صلب قراراتها، وتفرض هذه التوجهات على القطاع المصرفي.
ومن جملة ما يمكن للحكومة فعله بهذا الشأن، بالحد الأدنى، هو إلزام البنوك بإعادة جدولة قروض المفصولين تعسفياً من عملهم وتجميد الفوائد، مع إمكانية تمديد مدة السداد بناء على الظروف الفردية لكل حالة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000