مشروع طاقة بـ7 مليارات دولار في سورية... إنعاش مرتقب أم عبء جديد على المواطن؟
في ظل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وتهالك البنية التحتية في سورية، وقّعت وزارة الطاقة والثروة المعدنية مذكرة تفاهم مع تحالف دولي تقوده شركة UCC» Concession Investments » القطرية، لتطوير مشاريع طاقة بقيمة تصل إلى 7 مليارات دولار أمريكي، وبقدرة إنتاجية تصل إلى 5000 ميغاواط.
ورغم الترحيب الواسع بالمشروع كخطوة استراتيجية نحو تعزيز أمن الطاقة في البلاد، فإن التكلفة الاستثمارية المرتفعة تثير جدلاً واسعاً بين المتخصصين، الذين يشيرون إلى أن التقديرات المالية تتجاوز المعايير العالمية لمشاريع مماثلة، ما يطرح تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية، والمآلات المالية التي قد تطال المواطن السوري أولاً وأخيراً.
مشروع ضخم متعدد المواقع
تشمل مذكرة التفاهم، التي وُقّعت من قبل وزير الطاقة السوري مع ممثلين عن التحالف الدولي، تطوير أربع محطات توليد كهرباء بتوربينات غازية عاملة بالدورة المركبة (CCGT) في مناطق دير الزور، محردة، زيزون بريف حماة، وتريفاوي بريف حمص، بقدرة توليد إجمالية تبلغ 4000 ميغاواط. إلى جانب ذلك، سيُنفّذ مشروع محطة طاقة شمسية بقدرة 1000 ميغاواط في وديان الربيع جنوب البلاد.
وزير الطاقة المهندس محمد البشير قال خلال حفل التوقيع:
«نعيش اليوم لحظة تاريخية تشكل نقطة تحول في قطاع الطاقة في سورية. هذه المذكرة تمثل بداية حقيقية لإعادة بناء البنية التحتية للكهرباء، وتكرّس التعاون الإقليمي في مشاريع الطاقة النظيفة».
ويُنتظر أن تساهم هذه المشاريع، في حال تنفيذها ضمن الجدول الزمني المحدد، في رفع عدد ساعات التغذية الكهربائية في البلاد، والتي تعاني منذ سنوات من تقنين حاد يصل إلى أكثر من 20 ساعة قطع في اليوم في بعض المناطق.
تكلفة تفوق المعايير العالمية
ورغم ما تحمله الاتفاقية من آمال، إلا أن الإعلان عن تكلفة المشروع البالغة 7 مليارات دولار أثار تساؤلات في الأوساط الفنية والاقتصادية، إذ تشير المعايير الدولية إلى أن تكلفة إنشاء محطة توليد كهرباء عاملة بالدورة المركبة عادة ما تتراوح بين 700 و1200 دولار لكل كيلو واط.
وبحساب مبسط، فإن محطة بقدرة 5000 ميغاواط (أي 5 ملايين كيلوواط) يفترض أن تكلف بين 3,5 إلى 6 مليارات دولار، ما يعني أن الرقم المعلن أعلى من الحد الأعلى للتقدير العالمي بأكثر من مليار دولار.
فعندما تتجاوز التكلفة المعيارية بهذا الشكل، لا بد من طرح أسئلة:
هل توجد أعباء تمويلية خفية؟
هل يشمل المشروع تكاليف غير معلنة؟
أم إن هناك تضخيماً في التقديرات لأسباب تتعلق بمخاطر الاستثمار أو اعتبارات سياسية؟
أمثلة من العالم... مقارنة لافتة
لإعطاء فكرة أوضح عن الفجوة المحتملة، يمكن مقارنة المشروع السوري بمشاريع مشابهة عالمياً:
محطة البرلس في مصر (4800 ميغاواط) أنشأتها شركة سيمنز الألمانية عام 2018، بكلفة بلغت 3,7 مليار دولار فقط.
مشروع Jazan في السعودية (3800 ميغاواط) بلغت تكلفته 2,5 مليار دولار.
محطة طاقة شمسية في الإمارات (نور دبي، 1000 ميغاواط) كلّفت 900 مليون دولار فقط.
تلك المشاريع تؤكد أن سقف الـ7 مليارات دولار في سورية يبدو مفرطاً حتى مع احتساب فروقات التكاليف المرتبطة بالوضع الأمني والبنية التحتية المهترئة في البلاد.
من سيدفع الثمن؟ المواطن هو الممول غير المُعلن
رغم أن المشروع يُروج له كاستثمار أجنبي مباشر، إلا أن الواقع الاقتصادي يقول إن العبء النهائي سيقع على كاهل المواطن السوري، الذي سيدفع ثمن استهلاك الكهرباء، وربما يُطالبه النظام المالي لاحقاً بتحمّل فروقات الأسعار والكُلف التشغيلية المرتفعة، سواء عبر رفع أسعار الكهرباء أو زيادة الضرائب أو التضخم غير المباشر.
فالمواطن السوري لن يدفع فقط مقابل الطاقة التي يستهلكها، بل سيدفع أيضاً– بشكل غير مباشر– جزءاً من فاتورة الاستثمار الضخمة، سواء عرف بذلك أم لا!
هذا المشهد يجعل من الضروري أن تُدار مثل هذه المشاريع بأقصى درجات الشفافية والمحاسبة، وأن يُعلن بوضوح عن آليات التمويل، وشروط التعاقد، ومدى ارتباط المشروع بأي أعباء مستقبلية على الخزينة العامة.
الشفافية ضرورة... لا ترف
من الواضح أن سورية بحاجة ماسّة لمشاريع طاقة ضخمة تعيد الأمل في بنية تحتية منهكة، لكن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق بالأرقام وحدها، بل بآليات التنفيذ والإدارة الرشيدة. وتبقى الشفافية والمساءلة أساساً لأي مشروع ناجح.
ففي الوقت الذي تُنفق فيه المليارات، يعاني المواطن السوري من انقطاع الكهرباء ونقص المياه وارتفاع الأسعار، وهو ما يجعل أي استثمار غير مدروس، أو تفريط في المال العام، جريمة في حق مستقبل البلاد.
المشروع علامة فارقة واختبار
المشروع المعلن قد يكون بالفعل علامة فارقة في مسيرة الطاقة بسورية، لكنه أيضاً اختبار لمدى جدية السلطات في إدارة ملف الاستثمار بطريقة شفافة، عادلة، ومسؤولة.
وفي هذا السياق، من حق المواطن أن يعرف: من سيدفع؟ كم سيدفع؟ ولماذا يدفع؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1229