غنم العواس يُصدّر والمواطن السوري يُحرم... من يحمي ثروتنا الوطنية؟

غنم العواس يُصدّر والمواطن السوري يُحرم... من يحمي ثروتنا الوطنية؟

في الوقت الذي يشتد فيه الخناق المعيشي على المواطن السوري، وتغيب اللحوم عن موائد أغلبية الأسر، تُشحن آلاف رؤوس غنم العواس، السلالة السورية الأصيلة، عبر مرفأ طرطوس إلى أسواق خارجية، آخرها إلى ليبيا، في الباخرة الحادية عشرة منذ انطلاق موجة التصدير الجديدة.

مشهد يُقدم كقصة نجاح اقتصادي، لكنه يخفي وراءه قصة استنزاف وطنية مكتملة الأركان.

العواس... كنز سوري يُفرط فيه

غنم العواس ليس مجرد قطيع يُربى من أجل التجارة، إنه ثروة وطنية ذات ميزة اقتصادية مطلقة، وسلالة مُعترف بها إقليمياً بجودة لحومها وقدرتها العالية على التأقلم مع الظروف القاسية.
فهو مورد استراتيجي كان يمكن أن يُوظف في مشاريع إنتاج غذائي وسيادة غذائية، لكنه يُعامل كسلعة سريعة الربح، تُباع في الخارج بالدولار، بينما يُحرم منها المستهلك المحلي.
هذه السلالة التي طالما شكلت العمود الفقري للثروة الحيوانية في سورية، تُستنزف بشكل مقلق.
فلا توجد بيانات رسمية شفافة حول عدد الرؤوس المصدرة سنوياً، أو الحد الأقصى المسموح به، أو حتى حجم القطعان المتبقية.
وبدلاً من إدارة رشيدة لهذه الثروة، نرى تساهلاً في التصدير، وتراخياً في مواجهة التهريب، مع غياب كامل لأي خطة لحماية هذا الإرث الحيواني.

بين تاجر يربح... ومواطن يُجوع

يُسوّق لفكرة أن التصدير يخدم المربي، لأنه يسمح له ببيع جزء من قطيعه وتغطية نفقات التربية.
هذه النظرة السطحية تغفل حقيقة أن المُربي الصغير بالكاد يصمد أمام أسعار الأعلاف المرتفعة، وأن الحلقة الأقوى في هذه السلسلة هي التاجر والمُهرب، اللذان يجنيان أرباحاً خيالية من التصدير بالقطع الأجنبي.
أما المواطن السوري، فهو الخاسر الأكبر، ففي بلد كان يوماً من أكبر البلاد المنتجة للّحوم في المنطقة، بات استهلاك اللحم فيه يُقاس بالكيلو في السنة، لا في الشهر.
فالأسعار تحلق، والدخل يتآكل، واللحوم الحمراء تحولت إلى سلعة رفاهية نادرة على مائدة العائلة السورية.

الغائب الأكبر... الدولة

السؤال الذي لا يمل السوريون من طرحه: أين الدولة؟
فلا سياسة واضحة لضبط التصدير، ولا سقف مُعلن لحماية القطعان، ولا رقابة فعالة على التهريب، ولا تدخل جدي في السوق المحلية لضبط الأسعار أو دعم الاستهلاك الشعبي للحوم.
في المقابل، نجد احتفاءً إعلامياً بعمليات التصدير، وكأننا نصدر فائضاً لا نحتاجه.
هذا التغييب المتعمد أو المتواطئ لدور الدولة، يفتح الباب أمام فوضى اقتصادية حقيقية، فوضى في إدارة الثروة الحيوانية، وفوضى في السوق، وفوضى في العدالة الغذائية بين المواطن السوري والمستهلك الأجنبي.

ما العمل؟

المطلوب اليوم ليس وقف التصدير بشكل مطلق، بل تنظيمه ضمن إطار يحفظ التوازن بين التصدير والحاجة المحلية.
المطلوب شفافية، ومحاسبة، ورقابة صارمة، وتحديث بيانات القطعان، وإعطاء الأولوية لاحتياجات السوق الداخلي.
بل المطلوب أكثر إعادة الاعتبار لغنم العواس كثروة وطنية، لا كسلعة للتفريط.
وفي نهاية المطاف، لا معنى لأي مكسب يُجنى من الخارج، إن كان ثمنه تجويع الداخل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1227