احتياجات الكارثة الإنسانية في سورية وتحديات الاستجابة

احتياجات الكارثة الإنسانية في سورية وتحديات الاستجابة

يسلّط التصريح الأخير- لنائب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، ديفيد كاردن، -الضوء على حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة في سورية، حيث كشف أن 16 مليون شخص باتوا بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.

هذا الرقم المهول يعكس الواقع القاسي الذي يعيشه الشعب السوري، ويؤكد أن الأزمة لم تعد مقتصرة على فئات معينة، بل أصبحت ظاهرة شاملة تطال الغالبية العظمى من السكان.

تشمل احتياجات السوريين المتضررين جميع جوانب الحياة الأساسية، بدءاً من الغذاء والمياه الصالحة للشرب وصولاً إلى الرعاية الصحية اللازمة والمأوى.

فقد أدت سنوات الصراع الطويلة إلى تدمير البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء، ما جعل الحصول على هذه الخدمات تحدياً يومياً لملايين الأشخاص.

كأنك يا بو زيد ما غزيت!

أبلغت إدارة ترامب في نيسان الماضي برنامج الأغذية العالمي بقرارها إنهاء أو عدم تجديد عدد من العقود الإنسانية لثلاث دول من ضمنها سورية. وخلال مؤتمر بروكسل الذي انعقد في شهر آذار الماضي، تعهدت الدول بتقديم 6,3 مليار دولار، ستذهب إلى وكالات الأمم المتحدة ودول الجوار التي تستضيف اللاجئين.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الرقم يمثل انخفاضاً مقارنة بالسنوات السابقة، ولن تحصل المنظمات في الداخل السوري سوى على 2,5 مليار كحد أقصى من إجمالي المبلغ، وذلك تحت إشراف منظمات دولية من دون تدخل الحكومة السورية (لضمان الشفافية).

وسيشهد هذا الرقم مزيداً من التقلّص عند احتساب الحصص المخصصة للدول المضيفة، ولا سيما أن هذه التعهدات المالية غير ملزمة، وقد لا يتجاوز ما سيُدفع 40% من الرقم المعلن، فضلاً عن ذلك، فإن جزءاً من التعهدات ستذهب على شكل مصاريف إدارية وتشغيلية للمنظمات المشرفة على توزيع المساعدات، ليصبح لسان حال متلقيّ المساعدات «كأنك يا بو زيد ما غزيت!»

هل من حلول داخلية؟

يتضح جلياً أنه لا يمكن الاستمرار بالاعتماد على منّة المجتمع الدولي، فمعاناة السوريين هي مسؤولية الدولة والحكومة الممثلة لها بالدرجة الأولى.

وإن قدّم الدعم الخارجي إغاثة آنية، فإنه لا يعالج جذور الأزمة ولا يضع الأساس لحل دائم، بل قد يساهم في إدامة حالة التبعية.

إن تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وإنهاء النزاعات الداخلية، وإطلاق عملية مصالحة فعلية لم يعد ترفاً، وهذا لا يمكن أن يتم إلا عبر حوار وطني شامل، والذي يتطلب بدوره إعادة دمج المناطق المهمشة، وإعادة إقلاع الاقتصاد عبر تنشيط القطاعات الإنتاجية، على رأسها الزراعة والصناعة، ولجم حركة الاستيراد، في سبيل استعادة الثقة بالاقتصاد المحلي.

دعم أم سياسة؟

أصبح واضحاً أن «كرم» المجتمع الدولي ليس «حاتميّاً»، فالمساعدات الدولية يسهل تسيسها واستخدامها كورقة ضغط، مما يعمّق الأزمة عوضاً عن حلها، كما أنها ليست مستدامة (ففي 2023 تم تمويل 30% فقط من خطة الاستجابة السورية)، وهو انخفاض كبير يُفاقم من معاناة السوريين في غياب آليات وخطط لدى المنظومة.

كما أن الاعتماد المزمن على الخارج يدمر الاقتصاد المحلي، ويبدو وكأنه يقدم هامشاً للسلطة للتخلي عن واجباتها الوطنية.

فمن دون حلول مزمنة ومستدامة لن تشهد سورية كذلك توقفاً لموجات الهجرة، وما يترتب على ذلك من خسارة مجتمعية واقتصادية.

إن مفردات الأزمة السورية (السياسية الوطنية والاقتصادية-الاجتماعية والديموقراطية) لا تنفصل ولا يمكن حلها دون مزيج ما بين الحلول الداخلية ودول داعمة لوحدة سورية واستقرارها.

فالاستمرار بالوضع الراهن يهدد بتحول سورية إلى دولة يعتمد شعبها بالكامل على المساعدات!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1227