الأمن الغذائي على المحك... تراجع إنتاج القمح وزيادة الاعتماد على الاستيراد

الأمن الغذائي على المحك... تراجع إنتاج القمح وزيادة الاعتماد على الاستيراد

في وقت تزداد فيه التحديات الاقتصادية والمعيشية التي تواجه السوريين، يبرز خطر جديد يهدد استقرارهم الغذائي بشكل مباشر، والمتمثل بتراجع إنتاج القمح، أحد أهم المحاصيل الاستراتيجية في البلاد، وارتفاع الاعتماد على الاستيراد لتأمين لقمة العيش الأساسية.

تشير التقديرات الرسمية الصادرة عن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، على لسان مدير التخطيط الزراعي الدكتور سعيد إبراهيم، إلى أن إنتاج القمح لهذا العام لن يتجاوز 772 ألف طن، على الرغم من أن المساحات المزروعة قاربت المليون هكتار.

هذه الكمية تبقى بعيدة كل البعد عن الحد الأدنى المطلوب لتغطية احتياجات البلاد، وسط تقديرات تؤكد أن العجز في المحصول يبلغ نحو 2,2 مليون طن.

تغيرات مناخية وعدم استقرار أمني

أسباب هذا التراجع في الإنتاج متعددة، وتبدأ من العوامل المناخية، حيث كانت الهطولات المطرية هذا الموسم قليلة ومتقطعة، وغير كافية لتغذية المحاصيل، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة التي أرهقت الزرع وأثرت على خصوبته. إلى جانب ذلك، لعب عدم الاستقرار الأمني دوراً خطيراً في تعطيل عجلة الزراعة، خاصة في المناطق الحساسة، حيث لم يتمكن العديد من الفلاحين من متابعة أراضيهم أو تنفيذ برامج العناية والوقاية من أمراض القمح بشكل كافٍ.

تكاليف الإنتاج تحاصر الفلاح

لكن الأخطر من كل ذلك هو العامل الاقتصادي، فتكاليف الإنتاج الباهظة أصبحت عقبة رئيسية أمام الفلاحين، ما دفع بالكثير منهم إلى التخلي عن زراعة القمح لصالح محاصيل أخرى أكثر ربحية وأقل كلفة.

فتكاليف الأسمدة، المحروقات، واليد العاملة، والري باتت ترهق المزارعين في ظل غياب الدعم الحكومي الكافي، وهو ما ينذر بتحول هيكلي خطِر في الخريطة الزراعية السورية، يُضعف من الاعتماد على الذات في تأمين مادة القمح الأساسية.

رهانات مستقبلية محفوفة بالمخاطر

صحيح أن الحكومة تعوّل على عودة مناطق الجزيرة السورية– سلة الغذاء في البلاد– إلى كنفها لرفع الإنتاج إلى نحو 800 ألف طن مستقبلاً، ما قد يزيد تنفيذ الخطة الزراعية إلى 67%، إلا أن هذا الرهان وحده لا يكفي، خاصة وأن هذه الكمية تبقى أقل بكثير من احتياجات السوق المحلية.

وفي ظل هذا الواقع، لا تجد الحكومة مفراً من الاستيراد لتأمين المادة، عبر اتفاقيات مع العراق وتركيا، بحسب مدير التخطيط الزراعي، ما يضع الأمن الغذائي السوري في دائرة الارتهان للمصادر الخارجية وتقلبات السوق والسياسة.

الناقوس يدق

ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة موسمية، بل مؤشر خطِر على تآكل القدرة الذاتية لسورية في تأمين غذائها، الأمر الذي قد ينعكس على الأمن الوطني والاجتماعي في المدى القريب.

إن استمرار التراجع في إنتاج القمح، مقابل التوسع في الاستيراد، مع غياب حلول جذرية لدعم الفلاحين وضمان جدوى زراعة القمح اقتصادياً، يشير إلى خلل بنيوي يتطلب معالجة سريعة وحاسمة.

فالقمح ليس مجرد محصول، بل هو خط الدفاع الأول عن سيادة الغذاء وكرامة الإنسان السوري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1225