فوضى تسعيرة النقل العام... الأجرة لا تُقاس بعداد المسافة!
في الوقت الذي يعيش فيه المواطن السوري تحت وطأة غلاء الأسعار وتقلّبات الأوضاع الاقتصادية، تتبدى مشكلة أخرى لا تقل تأثيراً على حياته اليومية وهي الاختلاف غير المبرر في تسعيرة خطوط النقل الداخلي، حيث لا يبدو أن المسافة المقطوعة هي المعيار الحقيقي لتحديد الأجور، ولا حتى عدد الركاب أو المحطات.
فعلى سبيل المثال، خط صحنايا- دمشق الذي يقطع نحو 13 كم، يُكلف الراكب 7000 ليرة سورية، في حين أن خط جديدة عرطوز- دمشق، والذي تبلغ مسافته أطول بقليل (16 كم)، يُكلف فقط 6000 ليرة.
بل ونجد أن خط باب توما- جرمانا الذي لا يتجاوز 6 كم، يُحتسب بأجرة 4000 ليرة! في المقابل، خط المهاجرين- الصناعة (9.7 كم) يُكلف 3000 ليرة فقط، أي أقل من أجرة خط أقصر بكثير.
هذا التفاوت يطرح تساؤلات حقيقية حول الآلية التي تُحدد بموجبها أجور النقل.
فهل هناك دراسة فعلية مبنية على المسافة، والكثافة السكانية، واستهلاك الوقود، أو عدد المحطات؟
أم إن الأمر متروك لتقديرات سائقي السرافيس دون رقابة فعلية؟
من الواضح أن تكاليف المحروقات والصيانة وقطع الغيار متقاربة نسبياً بين جميع الخطوط، وبالتالي لا يمكن تبرير هذه الفروقات الكبيرة في الأسعار إلا بانعدام العدالة في التسعير، وغياب المعايير الموحدة.
وبالنتيجة هي ظلم واضح للمواطن الذي يضطر لدفع مبالغ غير منطقية مقابل تنقله اليومي، فيما تستمر معاناته دون أن يلوح في الأفق أي تدخل تنظيمي فعلي يعيد الأمور إلى نصابها.
وما يزيد الطين بلّة هو الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه المواطن، حيث تتجاوز تكاليف المواصلات الشهرية في كثير من الأحيان نصف أو حتى كل راتبه، وخاصة للطلاب والموظفين الذين يتنقلون يومياً لمسافات طويلة.
فكلفة الذهاب والإياب يومياً قد تصل إلى أكثر من 300 ألف ليرة شهرياً، وهي كافية لتغطية مواد غذائية أساسية أو فواتير خدمات أو حتى نفقات تعليمية، مما يضع المواطن أمام خيارات قاسية بين تنقله وعائلته ومعيشته.
المطلوب اليوم هو إعادة دراسة شاملة لأجور النقل على جميع خطوط النقل الداخلي في دمشق والخارجي في الريف، بحيث تكون عادلة للطرفين، السائق من جهة، والمواطن من جهة أخرى.
فالأجرة العادلة بالنسبة للسائق لا تعني ظلم المواطن تحت حجة «غلاء المعيشة والتكاليف»، بل تستند إلى دراسات دقيقة تأخذ بعين الاعتبار المسافة الحقيقية، وعدد الركاب، والكلفة التشغيلية، والمردود المعقول.
إن ما نراه اليوم من تفاوت، لا يعكس خللاً في التسعير فقط، بل هو وجه آخر من أوجه الفوضى الاقتصادية التي يدفع ثمنها المواطن البسيط كل يوم، في طريقه إلى العمل أو الجامعة أو المستشفى أو السوق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1223