المشاريع التركية في سورية فرص اقتصادية ومخاوف سيادية
في ظل التحولات المحلية والإقليمية المتسارعة، برزت تركيا كلاعب رئيسي في مشهد إعادة الإعمار والبنية التحتية في سورية، حيث أعلن وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، عن استعداد أنقرة لنقل خبراتها إلى سورية في مجالات الاتصالات، النقل، والخدمات اللوجستية.
وتحدث الوزير عن استعداد تركيا لتزويد سورية بكامل بنيتها التحتية للإنترنت، بالإضافة إلى مقترحات تشغيل ميناء سوري عبر مستثمر تركي، وتأهيل مطار دمشق الدولي، وترميم خطوط السكك الحديدية، وصيانة الطائرات.
أهمية هذه المشاريع وأهدافها
تتزامن هذه المشاريع مع الحديث عن «طريق التنمية»، المشروع الاستراتيجي الذي تخطط له تركيا، والذي يربط ميناء الفاو العراقي بالحدود التركية، ويُنظر إليه كقناة حيوية تربط بين آسيا وأوروبا، مما يعزز الدور التركي كمركز إقليمي للنقل والتجارة.
في هذا السياق، يبدو أن أنقرة تعمل على توسيع نطاق نفوذها اللوجستي عبر سورية، سواء من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية، أو من خلال التحكم جزئياً في منظومة الاتصالات والموانئ.
وبالنسبة لسورية، يمكن النظر إلى هذه المشاريع من زاويتين:
الزاوية الأولى هي الفوائد المحتملة، والتي يمن تلخيصها بالآتي:
- تحسين البنية التحتية المدمرة، خاصة في قطاعات النقل والاتصالات.
- الاستفادة من التقنيات التركية المتقدمة في إدارة المطارات والموانئ.
- توفير خدمات إنترنت متطورة، خاصة مع تراجع البنية التحتية للاتصالات خلال سنوات الحرب.
- تعزيز الترابط مع شبكة النقل الإقليمية، مما قد يسهم في تنشيط الاقتصاد السوري.
أما الزاوية الثانية فتتمثل بالمخاوف والتحديات، والتي يمكن تلخيصها بالنقاط الآتية:
- هيمنة تركية متزايدة على القطاعات الحيوية في سورية، مما قد يُضعف الاستقلالية السيادية.
- غياب الشفافية والمعلومات المحلية حول هذه المشاريع، إذ إن السوريين يكتشفون خطط إعادة إعمار بلادهم عبر تصريحات المسؤولين الأتراك ووسائل الإعلام التركية، في ظل غياب أي توضيحات رسمية من الجهات السورية.
- احتمال أن يكون لهذه المشاريع بعد استراتيجي يخدم المصالح التركية على حساب المصالح السورية، ولا سيما في ضوء ارتباطها بمشروع «طريق التنمية» الذي يعزز النفوذ التركي في المنطقة.
- تهميش الدور السوري في تحديد أولويات المشاريع، مما قد يؤدي إلى فرض أجندة اقتصادية لا تتماشى مع الاحتياجات الفعلية للسوريين.
غياب المصدر المحلي أزمة شفافية أم تهميش متعمد؟
أحد الجوانب الأكثر لفتاً للنظر في هذه المشاريع هو الطريقة التي يتم الإعلان عنها، حيث تأتي المعلومات عبر المسؤولين الأتراك والإعلام التركي، في حين أن الجهات السورية الرسمية تبقى صامتة، أو على الأقل غير واضحة في مواقفها.
هذا الغياب يطرح تساؤلات حول مستوى الشفافية والتواصل الحكومي مع المواطنين، خاصة وأن هذه المشاريع تؤثر بشكل مباشر على مستقبل الاقتصاد السوري.
إن استمرار هذا النهج يكرّس حالة من فقدان الثقة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية المحلية، حيث يصبح السوريون متلقين للأخبار عن بلادهم من الخارج بدلاً من أن يكونوا شركاء في صنع القرار كما يفترض.
بين الحاجة إلى التنمية والسيادة الوطنية
لا شك أن سورية بحاجة ماسة إلى مشاريع إعادة الإعمار، وتحسين البنية التحتية، وإعادة ربط نفسها بالاقتصاد الإقليمي والعالمي.
ومع ذلك، فإن أي مشروع يُطرح يجب أن يكون في إطار رؤية وطنية واضحة، تأخذ بعين الاعتبار المصالح السورية أولاً.
إن استمرار الإعلان عن هذه المشاريع عبر القنوات التركية فقط، دون مشاركة فاعلة من الجانب السوري، يثير القلق حول مدى استقلالية القرار الاقتصادي السوري، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول من يرسم فعلياً مستقبل البلاد.
لذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه المشاريع خطوة نحو إعادة الإعمار الحقيقي، أم إنها ستكرس مزيداً من الاعتماد على تركيا، على حساب السيادة السورية؟
واختصاراً نقول إن المشاريع الوطنية الاستراتيجية تحتاج إلى توافق وطني طريقه المفتوح هو عقد المؤتمر الوطني العام وصولاً إلى دستور جديد وسلطة منتخبة من الشعب ولمصلحته والمصلحة الوطنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1220