تنظيم مهنة التخليص الجمركي والترانزيت والوكالات البحرية
أصدرت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سورية قراراً يهدف إلى إعادة هيكلة وتنظيم مهنة التخليص الجمركي والترانزيت، عبر فرض شروط جديدة تتعلق بفتح الشركات- تحديد رسوم التأمين والترخيص- وضرورة الانتقال من العمل الفردي إلى الاعتباري.
وكما هو متوقع، أثار القرار جدلاً واسعاً بين العاملين في القطاع، حيث اعتبره البعض خطوة ضرورية لتنظيم المهنة، بينما رأى فيه آخرون عقبة كبيرة تهدد أعمالهم.
إيجابيات مفترضة
يمكن تكثيف إيجابيات القرار المفترضة بالنقاط التالية:
تنظيم السوق والحد من العشوائية، فالقرار يهدف افتراضاً إلى إرساء قواعد واضحة لمهنة التخليص الجمركي، ما يمنع الفوضى التي كانت تشهدها هذه المهنة نتيجة دخول أفراد غير مؤهلين للعمل فيها. إذ تُعد عمليات التخليص الجمركي حساسة جداً وتحتاج إلى خبرة وضبط دقيق لتجنب التلاعب أو التجاوزات القانونية.
الامتثال للمعايير العالمية، فبعض الخبراء أشاروا إلى أن القرار يتماشى مع المعايير الدولية، حيث إن شروط الترخيص في الدول المتقدمة مثل دول الاتحاد الأوروبي صارمة جداً، مما يضمن الشفافية ويقلل من احتمالات التهرب الجمركي أو الفساد في القطاع.
تعزيز اقتصاد الدولة، فعندما يكون التخليص الجمركي منظماً، فإنه يساعد في تحسين تدفق السلع وتقليل العقبات البيروقراطية، ما يعزز كفاءة التبادل التجاري ويزيد من العائدات الجمركية للدولة. كما أن تقييد المهنة بشركات منظمة وملتزمة بالمعايير يمكن أن يقلل من عمليات الاحتيال الجمركي ويحد من تهريب البضائع.
خلق فرص عمل ضمن شركات رسمية بدلاً من الاعتماد على الأفراد الذين يعملون بشكل مستقل، فالقرار يشجع على توظيف مختصين في شركات مرخصة، ما يخلق فرص عمل قانونية، ويضمن حصول العاملين على حقوقهم من رواتب وتأمينات اجتماعية وغيرها.
سلبيات كثيرة
بعض العاملين في القطاع توقفوا عند الكثير من الملاحظات السلبية، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
المهلة الزمنية القصيرة لتنفيذ المتطلبات، حيث منح القرار مهلة تمتد من 9 إلى 20 آذار فقط، أي ما يعادل 10 أيام عمل فعلية، وهي مدة غير كافية لتحويل النشاط التجاري من شخص طبيعي إلى اعتباري (شركة)، مع توفير جميع الوثائق المطلوبة، بالإضافة إلى توظيف كوادر وفقاً للهيكل التنظيمي المطلوب، مما يجعل تطبيق القرار شبه مستحيل للكثيرين.
التكاليف الباهظة، فقد فرض القرار رسوم تأمين مرتفعة تصل إلى 500 ألف دولار لشركات الترانزيت، إلى جانب رسم ترخيص سنوي يتراوح بين 10 آلاف و50 ألف دولار، وهذه المبالغ كبيرة جداً مقارنة بالقدرة المالية لمعظم المخلصين الجمركيين، مما يعني أن قلة فقط من الشركات الكبرى ستتمكن من الامتثال للشروط، وهو ما يُعتبر نوعاً من الاحتكار الذي يقصي الشركات الصغيرة والمتوسطة.
زيادة تكاليف التخليص الجمركي وتأثيرها على الأسعار، فارتفاع رسوم الترخيص والتأمين سينعكس بلا شك على تكاليف التخليص الجمركي، مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع المستوردة في الأسواق المحلية، وهو ما سيؤثر سلباً على المستهلك النهائي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
احتكار السوق لصالح الشركات الكبرى، حيث يرى بعض المخلصين الجمركيين أن الشروط الجديدة تبدو وكأنها مصممة لإقصاء الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يتيح للشركات الكبرى الاستحواذ على السوق والتحكم في الأسعار، وهو ما يتنافى مع مبادئ الاقتصاد التنافسي الذي يتم التغني به، ويؤثر سلباً على التنوع في السوق.
تعقيد الإجراءات الإدارية، فالقرار يتطلب تأسيس شركة متكاملة بهيكل تنظيمي محدد، بما في ذلك تعيين مدير ومسؤول تخليص وغيرهم، خلال فترة قصيرة جداً، وهذا الأمر يزيد من التعقيدات الإدارية، خاصة مع إغلاق بعض الدوائر الرسمية في اللاذقية وغيرها من المناطق خلال الفترة المحددة، مما يجعل استكمال الإجراءات أمراً صعباً للغاية.
هل هناك حلول وسط؟
من الواضح أن القرار يحمل جوانب إيجابية من حيث التنظيم والشفافية، لكنه في الوقت ذاته يشكل عبئاً كبيراً على العاملين في القطاع بسبب المتطلبات المالية والإدارية المعقدة.
ومن هنا، يمكن اقتراح بعض الحلول التي قد تساعد في تحقيق أهداف القرار دون الإضرار بالعاملين، ومنها:
تمديد المهلة الزمنية بحيث يحصل المخلصون الجمركيون على فترة كافية لتوفيق أوضاعهم بدلاً من 10 أيام فقط.
إعادة النظر في قيمة التأمين والرسوم لتكون أكثر تناسباً مع الوضع الاقتصادي للبلاد.
تقديم تسهيلات ائتمانية للشركات الصغيرة والمتوسطة لمساعدتها على استيفاء المتطلبات المالية.
تطبيق القرار بشكل تدريجي بحيث يتم تقسيم الشركات إلى فئات وفقاً لرأس المال أو عدد سنوات الخبرة، ومنح كل فئة شروطاً تتناسب مع إمكانياتها.
التوازن والمرونة لمصلحة السوق والمستهلكين
لا شك أن تنظيم مهنة التخليص الجمركي والترانزيت خطوة ضرورية لضبط القطاع ومنع الفوضى، إلا أن تنفيذ القرار بهذه السرعة وبهذه الشروط التعجيزية يهدد استمرارية الكثير من العاملين في المجال.
الحل الأمثل يكمن في تحقيق توازن بين فرض الضوابط التنظيمية وتوفير بيئة عمل مرنة تتيح لجميع الشركات فرصة الامتثال دون الإضرار بالسوق أو المستهلكين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1218