الحرائق المفتعلة جريمة متجددة بحق غابات سورية

الحرائق المفتعلة جريمة متجددة بحق غابات سورية

لم تكن الحرائق الأخيرة التي اجتاحت مساحات واسعة من غابات اللاذقية وحراجها مجرد حادثة عابرة، بل هي استمرار لمسلسل طويل من التدمير الممنهج للثروة الحراجية في سورية، الذي طالما كانت ضحيته الطبيعة وأهالي المناطق المتضررة.

فبحسب وزير الزراعة والإصلاح الزراعي في حكومة تسيير الأعمال الدكتور محمد طه الأحمد: «تم إخماد 17 حريقاً مفتعلاً في الغابات الحراجية، وهي نتيجة أعمال تخريبية لفلول النظام البائد بهدف زعزعة الاستقرار وإزعاج المواطنين وحرق ممتلكاتهم، كما نعمل جاهدين مع وزارة الداخلية على محاسبة المتورطين في هذه الأعمال التخريبية وتقديمهم للعدالة».
ما سبق أعلاه يعيد إلى الأذهان حرائق السنوات والعقود السابقة التي كانت تلتهم آلاف الدونمات سنوياً، في ظل عجز السلطة الساقطة حتى تواطئها مع الجهات المستفيدة.

الحرائق... بين الإهمال والتواطؤ

لطالما تم تسجيل هذه الحرائق ضد مجهول، رغم أن الجميع يعرف أن من يقف خلفها هم تجار الفحم والحطب، وكاسرو الحراج من تجار العقارات والمشاريع السياحية، الذين يسعون إلى تحويل الأراضي الخضراء إلى مشاريع استثمارية تدر عليهم الملايين. هؤلاء لم يكونوا يوماً بعيدين عن دوائر الفساد في السلطة الساقطة، بل غالباً ما كانوا يحظون بالحماية والتغطية ليواصلوا استنزاف ثروات البلاد دون رادع.
الحرائق ليست مجرد كارثة بيئية، بل هي انعكاس صارخ لمنظومة الفساد التي جعلت من الغابات سلعة تُباع وتُشترى، فيما يقف المواطن السوري متفرجاً على ضياع إرثه الطبيعي الذي من المفترض أن يكون ملكاً للأجيال القادمة.

محاولات رسمية بلا نتائج حقيقية

الوزير الأحمد تحدث عن إجراءات لضمان سلامة المنطقة وسكانها، وعن إعادة تفعيل المخافر الحراجية لحماية الغابات، لكن التجربة السابقة علّمت السوريين أن مثل هذه التصريحات غالباً ما تبقى مجرد وعود لا تجد طريقها إلى التنفيذ.
فالمشكلة ليست فقط في غياب الرقابة، بل في وجود شبكة من التجار والفاسدين والمستفيدين الذين ما زالوا يرون في الغابات مورداً شخصياً للربح لا بيئة يجب الحفاظ عليها.

رسالة السوريين... لا لنهب الطبيعة

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يتطلع السوريون– خاصة أبناء المناطق المتضررة– إلى طي صفحة الفساد والاستغلال التي أتت على حساب غاباتهم وبيئتهم ومستقبلهم.
فالمطالب ليست مجرد إخماد الحرائق، بل محاسبة المتورطين الحقيقيين، ووقف سياسة التغاضي عن هذه الجرائم التي يتم ارتكابها بدم بارد من أجل مصالح تجارية ضيقة.
إن استمرار التلاعب بالثروة الحراجية يعني تدمير مستقبل البيئة في سورية، وهو أمر لم يعد مقبولاً في بلد يحتاج إلى كل شجرة من أجل إعادة الحياة إلى ما دمرته الحرب والفساد.
فهل تكون هذه الحرائق الأخيرة جرس إنذار حقيقي، أم إنها مجرد محطة أخرى في طريق النهب المستمر؟
الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1217