المساعدات الدولية لسورية بين الحاجة الاقتصادية والمخاطر المحتملة

المساعدات الدولية لسورية بين الحاجة الاقتصادية والمخاطر المحتملة

مطلع الأسبوع الماضي استقبل وزير الاقتصاد في حكومة تسيير الأعمال باسل عبد الحنّان، في دمشق، ممثل البنك الدولي للشرق الأوسط جون كريستوف، لبحث سبل استئناف العلاقات بين البنك الدولي وسورية، ومناقشة مجالات التعاون الممكنة في المرحلة المقبلة. وكذلك أجرى ممثل البنك الدولي مباحثات مع معاون وزير المالية صالح العبد بحضور مدير التخطيط والتعاون الدولي محمد الأتاسي.

ففي ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها سورية، تبرز الحاجة إلى دعم مالي وفني لإعادة إنعاش الاقتصاد وتحسين الواقع المعيشي للمواطنين. ومن بين الجهات التي يمكن أن تقدم هذا الدعم، يأتي البنك الدولي كمؤسسة مالية عالمية توفر التمويل والاستشارات للدول التي تواجه تحديات تنموية.
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن طلب المساعدة من البنك الدولي ليس خطوة خالية من المخاطر، إذ قد تترتب عليه آثار سلبية ومخاطر تؤثر على السيادة الاقتصادية والاجتماعية للدولة.

ما هي المساعدات التي يمكن أن يقدمها البنك الدولي لسورية؟

رغم العقوبات الدولية المفروضة على سورية، فإن البنك الدولي يمكن أن يساهم في دعمها بشكل غير مباشر من خلال منظمات دولية أو برامج إنسانية، وذلك عبر:
الدعم الفني والاستشاري الذي يركز على العناوين الآتية عادة: تحسين إدارة المالية العامة وتعزيز الشفافية في الإنفاق الحكومي- تطوير السياسات الضريبية وإصلاح النظام المصرفي- تقديم استشارات حول ضبط التضخم واستقرار العملة.
المساعدات الإنسانية والتنموية من خلال: تمويل مشاريع إعادة الإعمار في قطاعات البنية التحتية كالكهرباء والمياه والصحة- دعم تحسين الخدمات العامة كالتعليم والرعاية الصحية- توفير مساعدات غذائية وإغاثية للمتضررين من الأزمة.
إعادة هيكلة الاقتصاد عبر: تقديم قروض أو منح لتمويل مشاريع إنتاجية في الزراعة والصناعة- دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص عمل جديدة- تقديم حلول لدمج الاقتصاد السوري في الأسواق العالمية تدريجياً.
التمويل عبر قنوات غير حكومية من خلال توجيه المساعدات عبر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، لتجنب التعامل المباشر مع الحكومة السورية في ظل العقوبات.

ما هي الآثار السلبية المتوقعة لطلب المساعدة من البنك الدولي؟

رغم الحاجة الملحة للدعم المالي والتقني، فإن طلب المساعدة من البنك الدولي قد يترتب عليه تبعات سلبية ومخاطر كثيرة، خصوصاً في ظل الواقع الاقتصادي المتردي في سورية، ومن هذه المخاطر:
القيود والشروط الاقتصادية والسياسية، فالبنك الدولي غالباً ما يفرض شروطاً صارمة على الدول التي تتلقى دعمه، مثل إلغاء دعم السلع الأساسية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، ويزيد الضغط على المواطنين، وكذلك قد تُفرض إصلاحات اقتصادية قسرية، مثل تحرير الأسعار والخصخصة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. وأيضاً يمكن أن تترافق المساعدات مع ضغوط سياسية دولية تؤثر على سيادة القرار الاقتصادي والسياسي للحكومة.
زيادة الديون والأعباء المالية، فالمساعدات المالية التي يقدمها البنك الدولي غالباً ما تكون على شكل قروض، مما يعني زيادة الدين العام لسورية، وفي حال فشل الحكومة في تسديد هذه الديون، فقد تجد نفسها مضطرة إلى فرض إجراءات تقشفية قاسية، مما يؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي.
تقويض الاقتصاد المحلي، فشروط البنك الدولي قد تشمل فتح الأسواق أمام الاستثمارات الأجنبية، مما يؤدي إلى إضعاف الصناعات الوطنية لصالح الشركات الدولية الكبرى. ويمكن أن يؤدي تشجيع الخصخصة إلى بيع مؤسسات الدولة أو تسليم قطاعات استراتيجية لشركات خارجية، مما يفقد الدولة القدرة على التحكم باقتصادها.
التأثير على الاستقلالية في التخطيط الاقتصادي، فقد تُفرض على الحكومة سياسات اقتصادية لا تتناسب مع الوضع المحلي، مما يجعل التخطيط الاقتصادي مرهوناً بتوجيهات البنك الدولي وليس باحتياجات الشعب.
رفض مجتمعي وسياسي، فقد يثير التعاون مع البنك الدولي معارضة داخلية من القوى السياسية والمجتمع المدني، خصوصاً إذا رأى المواطنون أن المساعدات ترتبط بأجندات خارجية أو تؤدي إلى ارتفاع الأسعار. ففي حال فرض البنك الدولي إجراءات تقشفية، قد تحدث احتجاجات شعبية كما حصل في العديد من الدول التي تبنت برامج الإصلاح الاقتصادي تحت إشرافه، مثل الأرجنتين واليونان، حيث أدت سياسات البنك إلى أزمات اجتماعية واحتجاجات شعبية بسبب تدهور الأوضاع المعيشية.

الحاجة إلى الدعم والمخاوف من التبعات!

يعاني الاقتصاد السوري اليوم من أزمة غير مسبوقة نتيجة: الحرب الطويلة- العقوبات الاقتصادية- تذبذب قيمة العملة- انخفاض الإنتاج المحلي.
ومع تزايد الاحتياجات المالية لإعادة الإعمار، تبدو المساعدات الدولية خياراً ضرورياً، لكن في الوقت ذاته، هناك مخاوف حقيقية من الآثار السلبية التي قد تنجم عن الاعتماد على البنك الدولي أو غيره من المؤسسات المالية الدولية.
ويكمن الحل الأمثل في إيجاد توازن بين الاستفادة من الدعم الدولي والحفاظ على السيادة الاقتصادية، وذلك من خلال:
التفاوض بحذر على شروط القروض أو المساعدات لتجنب التورط في ديون غير قابلة للسداد.
توجيه المساعدات نحو مشاريع إنتاجية حقيقية (زراعية وصناعية) تساهم في تحسين الاقتصاد وليس مجرد تغطية العجز الحكومي.
البحث عن بدائل تمويلية متنوعة، مثل التعاون مع دول صديقة أو مؤسسات مالية إقليمية بشروط أقل قسوة.

ضمان استقلالية القرار الاقتصادي هو المعيار الأساسي

في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها سورية، تبدو المساعدات الدولية خياراً قد يساهم في تخفيف الضغوط المالية وتمويل مشاريع إعادة الإعمار.
لكن الاعتماد على هذا الدعم يجب أن يكون محسوباً بدقة، فالتبعات السلبية المحتملة قد تفوق الفوائد إذا لم يتم التعامل معها بحذر.
إن ضمان استقلالية القرار الاقتصادي، وتوجيه أية مساعدات نحو مشاريع مستدامة، والبحث عن بدائل تمويلية متنوعة هو السبيل الأمثل للاستفادة من الدعم الدولي دون التورط في تداعيات خطِرة على المدى البعيد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1216