تقاعس المركزي عن ضبط الحوالات استنزاف للمواطن والاقتصاد الوطني
مع دخول شهر رمضان المبارك، تتزايد التحويلات المالية من المغتربين إلى أسرهم داخل سورية، حيث تشكل مصدر دخل أساسي للكثير من العائلات في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة.
إلا أن المفارقة المؤلمة هي أن المستفيد الأكبر من هذه الحوالات ليس المواطن، بل شركات الصرافة وتجار العملة الذين يفرضون أسعار تصريف غير عادلة وسط غياب واضح لدور مصرف سورية المركزي في ضبط السوق.
فارق سعر الصرف خسارة مباشرة للمواطن
وفقاً لنشرة مصرف سورية المركزي، فإن سعر صرف الدولار للحوالات الخارجية محدد بـ 13,200 ليرة سورية لكل دولار، وهو السعر الذي من المفترض أن تلتزم به شركات الصرافة.
لكن على أرض الواقع، يتم تصريف الدولار بحوالي 9,500 ليرة سورية فقط، وهو أقرب إلى سعر السوق السوداء، مما يؤدي إلى فارق يصل إلى 3,700 ليرة لكل دولار تستولي عليه هذه الشركات.
لنفترض أن أحد المواطنين تلقى حوالة بقيمة 500 دولار، فمن المفترض أن يحصل على 6,600,000 ليرة سورية وفق السعر الرسمي، لكنه فعلياً يحصل على 4,750,000 ليرة فقط، مما يعني خسارة مباشرة بقيمة 1,850,000 ليرة.
وعند احتساب إجمالي الحوالات الخارجية، التي قد تتجاوز 100 مليون دولار خلال شهر رمضان، نجد أن المواطنين يخسرون 370 مليار ليرة سورية تذهب إلى جيوب شركات الصرافة بدلاً من دعم الاقتصاد المحلي.
السوق السوداء... استنزاف مزدوج للمواطن والخزينة
لا تقتصر المشكلة على استغلال شركات الصرافة، بل تمتد إلى تفشي ظاهرة الحوالات عبر السوق السوداء، حيث يلجأ العديد من السوريين إلى تحويل أموالهم خارج القنوات الرسمية بسبب تعقيدات التحويلات المصرفية وفرق الأسعار غير العادل.
يتم تسليم هذه الحوالات بالدولار أو بالليرة السورية بسعر 9,500 ليرة للدولار، مما يعني أن الأموال التي من المفترض أن تدخل القنوات الرسمية وتدعم الاحتياطي النقدي للدولة تذهب بدلاً من ذلك إلى تجار العملة والمتلاعبين بالسوق السوداء.
هذه الظاهرة لا تؤدي إلى خسائر إضافية للمواطن فقط، بل تحرم خزينة الدولة من العملات الصعبة، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية ويزيد من ضعف قدرة المصرف المركزي على التدخل في السوق.
أين دور مصرف سورية المركزي؟
المصرف المركزي هو الجهة المسؤولة عن ضبط سوق الصرف، لكن تقاعسه عن فرض رقابة صارمة على شركات الصرافة وترك الحوالات الخارجية عرضة للاستغلال يفتح المجال أمام السوق السوداء للاستحواذ على جزء كبير من هذه الأموال.
الأسئلة التي تطرح نفسها:
لماذا لا يتم اتخاذ إجراءات صارمة لإلزام شركات الصرافة بتسليم الحوالات بالسعر الرسمي؟
لماذا يُسمح باستمرار تحويل الأموال عبر السوق السوداء دون رقابة، رغم تأثيرها السلبي على الاقتصاد؟
كيف يمكن للمواطن ضمان حصوله على قيمة حوالته كاملة دون أن يكون ضحية للاستغلال؟
الحلول المطلوبة والممكنة
تشديد الرقابة على شركات الصرافة وإلزامها بالتصريف بالسعر الرسمي، مع فرض عقوبات صارمة على المخالفين.
مكافحة الحوالات عبر السوق السوداء من خلال تيسير إجراءات التحويل عبر القنوات الرسمية وإطلاق حملات توعية لمواجهة التلاعب بالعملة.
إيجاد آلية واضحة لضبط السوق مثل إصدار إيصالات رسمية تضمن حصول المواطنين على مستحقاتهم بالكامل.
زيادة المعروض من الدولار عبر القنوات الرسمية لكبح السوق السوداء وتعزيز دور المصرف المركزي في ضبط الأسعار.
إن استمرار هذه الفوضى دون تدخل جادّ من المصرف المركزي يعني استمرار استنزاف أموال المواطنين وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
فإذا لم يتم اتخاذ خطوات فعلية لضبط سوق الحوالات، فسيظل المواطن الحلقة الأضعف، يدفع الثمن الأكبر في معادلة اقتصاد غير متوازن، بينما يستفيد تجار العملة من فوضى السوق.
فالمطلوب اليوم ليس فقط إصدار القرارات، بل تطبيقها بصرامة لضمان وصول أموال المغتربين إلى عائلاتهم بسعر عادل، ودون أن تكون مصدر ربح غير مشروع للمضاربين والمتلاعبين بالسوق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1216