اقتصاد السوق الحر وإعادة إنتاج الأزمة!

اقتصاد السوق الحر وإعادة إنتاج الأزمة!

بدأت رحلة التحول نحو الاقتصاد الحر في سورية منذ تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً في عام 1991 مع إصدار قانون الاستثمار رقم 10، إلا أن الشكل الفاضح والمباشر لهذا التحول ظهر في العام 2005 مع تبني السياسات الليبرالية والانفتاح الاقتصادي، وما رافقها من سياسات تخفيض الإنفاق العام والدعم، مع مسيرة الخصخصة المباشرة وغير المباشرة، والبدء قضم الحقوق وسلب المكتسبات، سواء لبعض القطاعات الاقتصادية أو للمواطنين، والتي أدت بالنتيجة- بالإضافة إلى الكثير من العوامل الهامة الإضافية- إلى انفجار الأزمة في العام 2011.

ومع ذلك استمرت هذه السياسات وتعمقت خلال سنوات الأزمة، ما جعل الاقتصاد السوري منهكاً ومدمراً ومنهاراً على مختلف الأصعدة والمستويات.
ومع انهيار السلطة السابقة، ومع تسلم حكومة تصريف الأعمال الحالية لشؤون البلاد، كثر الحديث عن أن شكل الاقتصاد المستقبلي للبلاد سيكون اقتصاد السوق الحر التنافسي والمفتوح، بدلاً من «الاقتصاد الاشتراكي الشمولي»، وكان آخر ما تم تداوله بهذا الشأن على لسان وزير الصناعة في هذه الحكومة بتاريخ 16 كانون الأول الحالي!
لن نخوض بشأن اللغط، المقصود أو غير المقصود، بعبارة «الاقتصاد الاشتراكي الشمولي» المقحمة في غير محلها، لكن سنقف عند اقتصاد السوق الذي طنبت حكومات السلطة الساقطة آذاننا بها طيلة العقود الماضية، لتبرير موبقاتها ونهبها.
فاقتصاد السوق الحر يعني نظرياً تفاعل العرض والطلب في السوق، من خلال عمليات البيع والشراء، وهذا التفاعل يؤثر بشكل مباشر بسعر البضائع، في ظل منافسة حرة وعفوية افتراضاً بين مختلف المنتجين، كباراً كانوا أو صغاراً، إضافة إلى البضائع المستوردة التي تنافس البضائع المحلية، مع دور منخفض جداً أو منعدم للدولة في النشاط الاقتصادي.
يعاني هذا الشكل من الاقتصاد من أزمات دورية بفعل القوانين التي تحكمه، وتظهر هذه الأزمات على شكل اختلال بين العرض والطلب، مما يستدعي حدوث أزمة لإعادة ضبط التوازن، ولكن هذا الضبط يكون على حساب خروج الأعمال الصغيرة من المنافسة، بعد تخسيرها وإقصائها من قبل كبرى الشركات تحت مسمى «حرية السوق»، لتتحول هذه الشركات الكبيرة بالضرورة إلى قوة احتكار كبيرة تتحكم بالعرض والطلب بما يتناسب وغاياتها الربحية والضيقة، على حساب الأعمال الصغيرة، ما يجبر الأخيرة على الإغلاق، وبالتالي غياب المنافسة والحرية التي يتم التغني بها، والنتيجة المباشرة لكل ما سبق هي الإضرار بالمستهلكين والطبقات المفقرة من أصحاب الأجور والمهمشين.
يضاف إلى ذلك حرية دخول البضائع الأجنبية دون أي ضوابط اجتماعية أو وطنية، والتي تكون منافسة للبضائع المحلية، وهذا ما تمت ملامسته في الأسواق المحلية خلال الأيام القليلة الماضية مع تغول البضائع التركية وغيرها منخفضة السعر مقارنة بالبضائع المحلية، وهذا الانخفاض عائد بجزء كبير إلى اختلاف ظروف الإنتاج بين البلدين، وواقع التفلت والفوضى الراهنة.

فالصناعة التركية لا تعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج كما هو حال الصناعة السورية نتيجة تخفيض الدعم سابقاً وصولاً إلى إنهائه حالياً، وخاصة ندرة حوامل الطاقة وارتفاع تكاليفها، بالإضافة إلى معدلات التضخم الجامحة وغيرها من صعوبات، ما يعني أن استمرار دخول البضائع التركية وغيرها، دون معالجة مشاكل الاقتصاد السوري العميقة سيؤدي بالضرورة إلى إغلاق الكثير من المصانع الوطنية.

وعليه فإن الخاسر الأكبر هنا هي الطبقة العاملة والغالبية المفقرة، لأن طبيعة الاقتصاد الحر الذي يتم إعادة تسويقه تقوم على الإقصاء والاحتكار والتربح، عبر سيادة كبرى الشركات وكبار التجار على السوق والأسعار، وبالتالي كما ذكرنا خروج الكثير من الأعمال من السوق وإغلاقها، ما يؤدي إلى انضمام أعداد هائلة من العاملين إلى جيش العاطلين عن العمل، فسوق قوة العمل سيعاني من خلل كبير، ما يعني انخفاض مستوى الأجور والرواتب بالمقارنة مع الأسعار في السوق، أي مزيد من البؤس والفقر الذي سيصيب الغالبية العظمى من الناس، على حساب تربح قلة قليلة من أصحاب المال، كما كان عليه الحال أيام السلطة الساقطة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1206