غزو السلع الأجنبية وتحديات الإنتاج المحلي
تعيش الأسواق الآن مرحلة حساسة تجمع بين الحاجة إلى التنوع في السلع من جهة، وأهمية حماية الإنتاج الوطني من جهة أخرى.
تحقيق هذا التوازن يتطلب جهوداً مشتركة وكبيرة من جميع القطاعات الاقتصادية الفاعلة، بالإضافة للجهات المسؤولة في حكومة تصريف الأعمال الحالية، خاصة مع هذا التدفق الكبير للسلع الأجنبية، وتحديداً التركية، الذي ورغم مزاياه المؤقتة للمستهلكين من حيث التنوع والأسعار التي تبدو منافسة حالياً، لكنه يحمل في طياته تحديات كبيرة على الصناعات والإنتاج المحلي.
وسط غزو السلع الأجنبية... ارتفاع بأسعار السلع المحلية
بعد رصدنا للأسواق والأسعار في العدد الماضي، وتنويهنا بأنّ ما حدث هو عودة الأسعار لوضعها السابق ولا انخفاض عليها كما كان يتم الترويج، لاحظنا خلال جولتنا هذا الأسبوع ارتفاعاً ملحوظاً على أسعار العديد من المواد، وخاصة المواد الأساسية بمعدل 2000–4000 ل.س. لكل سلعة.
فعلى سبيل المثال عاد كيلو السكر لحدود 12500 ليرة بعد أن بقي لمدة يوم أو يومين عند سعرٍ لا يزيد عن 9000 ليرة، بينما حافظت أسعار الخضروات والفاكهة على استقرارها النسبي بسبب وقف التصدير، باستثناء انخفاض ملحوظ في أسعار البطاطا.
في الوقت نفسه لاحظنا انتشاراً واسعاً لبعض السلع والفواكه من دول الجوار، كالموز اللبناني، على الرغم من وفرة الإنتاج المحلّي منه، حيث سجّلت أسعاره 17 إلى 18 ألف ليرة.
كما لوحظ انتشارٌ واسع للمواد والسلع التركية التي تُعرَضُ بكثافة في المحال والمولات وعلى البسطات، وخاصة المعلَّبات والمنتجات الغذائية، كظروف البهارات التركية ومغلفات الشوربا الجاهزة للتحضير والمعلّبات وغيرها، والتي تُباع بأسعار منافسة مع شبيهاتها المستورَدة أو المعبّأة محلياً، مما يتيح للمستهلكين خيارات أكثر، ولكن على حساب المحلّي الشبيه، فالزيت التركي على سبيل المثال يباع أقل بـ2000 ليرة عن مثيله المحلي.
فالمنتجات والسلع الأجنبية، وخاصّة التركية، على خلاف أنواعها (غذائية – كهربائية - نسيجية...) غزت أسواقنا، ورغم فرح المستهلكين بهذا النمط من الانفتاح السلعي الذي تطغى عليه العشوائية، والذي حقّق تنوعاً وتنافساً نسبياً مؤقتاً، إلّا أنّ القلق على اقتصادنا وعلى إنتاجنا المحلّي تَضاعَف!
مخاوف مشروعة وتحدّيات
إنّ الانفتاح السلعي الذي تشهده الأسواق حالياً، مع العشوائية والفوضوية فيه، من المتوقع أن يزداد مع الأيام القادمة. ورغم أهميته في إمداد الأسواق العطشى بالبضائع والسلع، وبالتالي تلبية بعض حاجات المواطن، بالإضافة لخلق تنوعٍ وتنافس يبدو أنه يصب في مصلحته حالياً، ويحرك عجلة الأسواق لاستقطاب المزيد من المستثمرين فيه لزيادة الضخ السلعي من دول الجوار، لكنّه عشوائيٌّ وفوضويّ ودون ضوابط حالياً، والأهمّ أنه لا يأخذ بعين الاعتبار واقع الإنتاج والصناعة المحلية!
فإذا استمرّ هذا الوضع دون تدخّل جدّي وفاعل، فستظهر تحدّيات أكثر خطورة، كتراجع الصناعات الوطنية التي ستجد نفسها أمام تهديدٍ وجودي حقيقي مع تزايد الاعتماد على السلع المستوردة أو المهربة، لتتفاقم مشاكل الإنتاج والعملية الإنتاجية المزمنة أكثر ممّا كانت عليه!
فتخفيض إنتاج المعامل والمنشآت المحلية، أو الوصول لإغلاقها في ظل الانفتاح السلعي الفوضوي والتنافسية غير المضبوطة، سيؤدّي إلى تكريس خسارة قطاعات الإنتاج المحلي، وإلى تسريح العمّال وزجّ المزيد منهم في سوق البطالة والباحثين عن عمل، وهذا بحدّ ذاته كارثةٌ على المستوى الاقتصادي والاجتماعي حالياً ومستقبلاً.
إضافة إلى أن التوسع في استيراد أو تهريب السلع الأجنبية سيستهلك المزيد من موارد القطع الأجنبي المستنزَفة سلفاً، بالإضافة لفقدان موارد القَطْع جرّاء تزايد عمليات التهريب، وهو عامل ضغط إضافي على الاقتصاد الوطني ككل!
فالمخاوف مشروعة من استكمال مسيرة الإجهاز على الإنتاج المحلّي، التي سارت عليها الحكومات المتعاقبة للسّلطة الساقطة السابقة لمصلحة كبار أصحاب الأرباح والمستغلّين، ومن الواجب التنبيه والتنبُّه إليها للوقوف عليها ومعالجتها بشكل عاجل وسريع قبل فوات الأوان.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1206