القطاعات السيادية والفرصة الراهنة

القطاعات السيادية والفرصة الراهنة

بما أنّ السوريين اليوم أمام فرصة تاريخية للنّقاش الموسَّع حول الدستور بتفاصيله التي تمسُّ حياتَهم ومعاشهم ومستقبلهم، ولإعادة الاعتبار للدولة واقتصادها ولقطاعاتها السيادية، نُذكّر ببعض القطاعات السيادية الهامة التي ينبغي أنْ تبقى تحت سيطرة الدولة وسيادتها عليها بنص دستوري واضح، وذلك لضمان حماية الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي والسيادة الاقتصادية.

فمن المفروغ منه أنّ قطاع الأمن والدفاع هو القطاع السيادي الأهم الذي يجب أن تحتكره الدولة بكل ما يتعلق فيه، بالإضافة إلى قطاع الصناعات الدفاعية والاستراتيجية، لكن هناك قطاعات سيادية أخرى لا تقل أهمية على مستوى الأمن الاقتصادي والسيادة الوطنية، ومنها:

قطاع الطاقة (المشتقات النفطية - الكهرباء)

تُعدّ موارد الطاقة شريان الحياة للاقتصاد الوطني، وأي تحكم بها (محلي أو أجنبي) قد يؤثر على الأمن القومي والاستقلال الاقتصادي، ودور الدولة الذي يجب ألّا يتم التزحزح عنه يتمثّل بملكيّتها لهذا القطاع، والتحكّم في إنتاج وتوزيع الطاقة، بالإضافة إلى تحديد الأسعار بما يضمن التوازن بين الكفاءة الاقتصادية وحماية الطبقات الفقيرة.

قطاع المياه والموارد المائية

تُعَدُّ المياهُ مورداً استراتيجيّاً وحيويّاً وهامّاً للحياة البشرية، والأمن المائي لا يقتصر على حقّ المواطنين في الوصول إلى مياه الشرب فقط، بل كذلك المشاريع المائية الخاصة بالزراعة والصناعة والطاقة، فمصادر المياه ومواردها يجب أن تبقى بيد الدولة وبملكيتها، مع حسن إدارتها وتوزيعها، بما يضمن الأمن المائي.

قطاع الاتصالات والمعلومات

تبرز أهمية سيادة الدولة على هذا القطاع من خلال السيطرة على البنية التحتية للاتصالات والإنترنت، بما يضمن حماية الأمن السيبراني والسيادة الرقمية، وخاصة في ظل الاعتماد المتزايد على المعلومات الرقمية، فأيُّ تفريط بهذا القطاع هو تفريط بأمن المعلومات السيبراني والسيادة الوطنية.

قطاع النقل والموانئ الاستراتيجية

النقل البحري والجوي يؤثِّرُ بشكلٍ مباشر على التجارة الدولية والاستيراد والتصدير، لذا فإنَّ أيَّ فقدانٍ للسيطرة على الموانئ والمطارات قد يهدِّد السيادة الاقتصادية، بل والأمنية أيضاً، لذلك يبدو دور الدولة هاماً على مستوى الملكية والسيطرة على المطارات والموانئ والبنية التحتية للنقل.

البنك المركزي والعملة الوطنية

البنك المركزي سيادي بامتياز، فهو الجهة الوحيدة المخوَّلة بإصدار العملة الوطنية والتحكم في السياسة النقدية لمصلحة الدولة، ما يحمي الاقتصاد من التضخم المفرط والأزمات المالية.

قطاع الصحة العامة والخدمات الصحية الأساسية

تبرز أهمية سيادة الدولة على هذا القطاع، المشافي والمستوصفات العامة، لضمان الوصول إلى الرعاية الصحية لجميع المواطنين، وهو أمر حيوي وهام وخاصة أثناء الأوبئة أو الكوارث الصحية، بالإضافة لضمان توفير الأدوية الأساسية، مع الإشراف المباشر على القطاع الخاص المكمِّل بمهامه الصحية للقطاع العام ليبقى تحت رقابة الدولة.

قطاع التعليم الأساسي والعالي

التعليم هو حجر الأساس في بناء رأس المال البشري لضمان التنمية الاقتصادية المستدامة، وعلى الدولة ضمان حقّ التعليم المجّاني في المراحل كافّةً، أما دورها على مستوى التعليم الخاص فهو الرقابة والإشراف بما يضمن معايير جودة العملية التعليمية في منشآته.

قطاع الغذاء والزراعات الاستراتيجية

الغذاء هو المورد الأساسي للبقاء على قيد الحياة، مقابل ذلك فإنّ الاعتماد المفرط على الاستيراد يؤدي إلى أزمات غذائية وانعدام الأمن الغذائي، وخاصة أثناء الحروب والأزمات (المحلية والدولية).
ويبرز دور الدولة السيادي والهام في هذا المجال من خلال إشرافها المباشر على إنتاج وتخزين الحبوب والمواد الغذائية الأساسية، مثل محصول القمح الاستراتيجي، مع أهمية دورها على مستوى تنظيم الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية المرتبطة به، بما يضمن عدم المساس بالأمن الغذائي.

كي لا نلدغ من الجحر مرتين

القطاعات أعلاه تُعتبر سيادية وبالغة الأهمية بسبب تأثيرها المباشر على حياة السوريين واستقلالية الدولة وقوتها، وقد لمسنا خلال العقود والسنين الماضية كيف انعكست السياسات الليبرالية التفريطية والمتوحشة التي سارت عليها السلطة الساقطة على حياتنا وأمننا على شكل أزمات وكوارث مستمرّة بنتائجها حتى الآن، والتي تحتاج إلى وقتٍ وجهدٍ لتجاوزها، لذلك من الهامّ وطنياً التأكيد على بقاء هذه القطاعات تحت سيطرة الدولة المباشرة في نصِّ الدستور قيد النقاش والإعداد في هذه المرحلة، كي نضمن مستقبل أمن السوريين وأمانهم، وأمن وأمان سورية وقوّتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1206