الشتاء ما بين قسوة البرد وصمود الأرواح!

الشتاء ما بين قسوة البرد وصمود الأرواح!

ها هي برودة الطقس تجد طريقها إلى حياة المواطن المفقر مجدداً، ليس فقط عبر انخفاض درجات الحرارة، بل عبر كل تفاصيل يومه المحفوفة بالمعاناة والحرمان، وسط ظروف صعبة تجعل الشتاء تحدياً مضاعفاً وعبئاً كبيراً على عاتق معظم الأسر، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشة الحالية، وتحت وطأة التقاعس واللا مبالاة الرسمية!

جاء الشتاء والبرد ومعظم الأسر تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الأساسية مثل (التدفئة- المأوى المناسب- الملابس الدافئة والأحذية المناسبة- وكذلك الغذاء الكافي)!
وهنا نتساءل مسؤولية مَن كلّ ذلك؟

برد لا يرحم وجيوب هشة!

أصبح الحصول على وسائل التدفئة الأساسية حلماً بعيد المنال لمعظم الأسر ذات الدخل المحدود، ففي الوقت الذي يحتاج فيه المواطن إلى التدفئة في هذا البرد القارس، يجد نفسه أمام خيارين: إما تحمل البرد، أو دفع مبالغ طائلة للحصول على القليل من المازوت، الذي وصلت أسعاره إلى 20 ألفاً لليتر الواحد في السوق السوداء، وهذا في أحسن الأحوال، مما يجعل تكلفة شراء 25 ليتر تعادل 500 ألف ليرة، وهي كمية تكفي لأسبوع واحد، أي تأمين التدفئة لثلاثة أشهر يكلف الأسرة ثلاثة ملايين ليرة سورية، أي راتب الموظف خلال عام تقريباً!
فضلاً عن التقاعس الواضح في توزيع مخصصات التدفئة، والبالغة 50 لتراً للأسرة، والتي لا تكفي لأكثر من أسبوعين، بذريعة نقص التوريدات، إذ لم تتجاوز نسبة التوزيع 15% في معظم المحافظات!
وهنا نتساءل مجدداً ما الجدوى من كل التصريحات والتبجحات الرسمية والقرارات والتوجيهات إذا كانت الحكومة عاجزة عن تأمين تلك الكمية الهزيلة من مازوت التدفئة لكل أسرة بوقت الحاجة لها في فصل الشتاء والبرد والصقيع؟
وهل هي عاجزة فعلاً، أم إنه تقاعس متعمد في سبيل إنعاش السوق السوداء، التي لم تنقطع توريداتها، وهي متوفرة بكثرة وبالكميات الكافية، على حساب حياتنا وصحتنا وحقوقنا؟

بدائل غير متاحة!

دائماً ما يترافق فصل الشتاء بتقنين كهربائي مجحف ليزيد من معاناة المواطن، فرغم ساعات الوصل التي لا تتجاوز الساعة في العديد من المناطق، والتي لا تكفي لتدفئة الغرفة أو تسخين المياه، بل وحتى لشحن البطارية، يبقى البرد سيد الموقف!
وبدلاً من اتخاذ إجراءات لتحسين واقع الكهرباء لتوفير حلول بديلة للتدفئة بسبب التقاعس الرسمي بتوزيع مازوت التدفئة، أو للتغطية الشكلية على هذا التقاعس بالحد الأدنى، عمدت الجهات الرسمية إلى زيادة التقنين خلال فصل الشتاء كالعادة، وصولاً إلى قضم الحق في ساعة الوصل الوحيدة، ولتتحول التدفئة بالنتيجة إلى رفاهية لا يستطيع معظمنا تحملها!
فحتى الحطب بات رفاهية مخصصة «لشيمينيه» الطبقة المخملية، خاصة بعد أن تجاوز سعر طن حطب السنديان والصنوبر 5.5 ملايين ليرة، وحطب الليمون 4.3 ملايين، وحطب اللوز 2.7 مليون ليرة، دون أجور النقل!
وقد انتشرت في الأسواق أنواع أخشاب غير معروفة النوع والمصدر، وبسعر 5000 ليرة للكيلو، وهي مرتفعة السعر ومن الاستحالة اللجوء إليها للتدفئة من قبل أصحاب الأجور والمفقرين!
وتلجأ بعض الأسر اليوم إلى حرق الملابس المهترئة والأحذية القديمة، وحتى البلاستيك والكرتون للتدفئة، رغم المخاطر الصحية المرتبطة بهذه الوسائل البدائية، إلا أنه لا بديل آخر لديها لتدفئة أطفالها!
في خضم هذه المأساة الحقيقة يأتي حديث أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة خلال لقاء مع إذاعة شام إف إم، كمواعظ السعداء في قلوب التعساء، إذ قال: «إن اعتماد المواطن هذا الشتاء سيكون على التدفئة الذاتية من خلال ارتداء الملابس السميكة والبطانيات، نظراً لارتفاع أسعار المازوت والحطب في السوق السوداء».
مع الأخذ بعين الاعتبار أنه حتى التدفئة الذاتية هناك العديد من الأسر لا تجد إليها سبيلاً، فسعر الجاكيت تجاوز 600 ألف ليرة، وقس على ذلك!
سيناريو الشتاء هذا يتكرر كل عام، وفي كل عام تتفاجأ الجهات المعنية بموجات البرد والصقيع، وما علينا إلا الاعتياد على مشاهدة أطفالنا يذهبون إلى مدارسهم بملابس رقيقة، وأيديهم المرتجفة تحمل دفاتر مبللة من المطر!
فلا مازوت تم توزيعه، ولا كهرباء متاحة، ولا حطب، فماذا يفعل المواطن بهذه الحالة وهو محاصر بقرارات وسياسات حكومية مفقرة، وبمنهجية جوفاء همها ملء جيوب قلة مفسدة على حساب البلاد والعباد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1203