السياسة الأجرية والمالية المجحفة حينما تُحمِّل الحكومة أعباءها للمواطن!

السياسة الأجرية والمالية المجحفة حينما تُحمِّل الحكومة أعباءها للمواطن!

في ظل تدهور الوضع المعيشي المعمَّم في سورية، تستمر الحكومة بتبني سياسات مالية تهدف إلى الالتفاف على جوهر مشكلة تدنّي الأجور وضآلتها من خلال حلول ترقيعية، بدلاً من مواجهة المشكلة وحلّها بشكلٍ جذريّ!

تعتمد الحكومة بشكل رئيسي للالتفاف على سياسات الأجور المجحفة وتكريسها، على زيادة التعويضات للعاملين بأجر في جهاتها العامة، وهي زيادات طفيفة بمجملها باعتبارها مرتبطة بالأجر الزهيد أصلاً، أو من خلال إنشاء صناديق خاصة لشرائح معينة من موظفي الدولة وأجهزتها، مثل الصناديق المشتركة التي يتم تمويلها بشكل رئيسي بالاعتماد على فرض رسوم إضافية على المواطنين، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية والمعيشية عليهم بدلاً من تحسين وضعهم!
المثال الأخير على ذلك هي القوانين التي صدرت في الآونة الأخيرة بخصوص إحداث صندوق مشترك لقضاة الحكم والنيابة العامة وقضاة مجلس الدولة والقضاة العسكريين وأعضاء المحكمة الدستورية العليا، والصندوق المشترك لمحامي إدارة القضايا، مع منحهم بدل مرافعة شهري قدره 150% من الأجر الشهري المقطوع بتاريخ أداء العمل.
الصناديق المحدثة، ودون الخوض بتفاصيلها، تبدو خطوة لتعويض الفئات المستفيدة منها بعائدات مالية تسدّ جزءاً من عجز أجورهم لتغطية الضرورات المعيشية والخدمية، وهي غير كافية لردم هذه الفجوة الكبيرة، دون أدنى شك، إلّا أنّ الجزء الهام من تمويلها يعتمد غالباً على فرض رسوم إضافية على المواطنين!

سياسة الالتفاف ومعالجة الفشل بالفشل!

تَظهر السياسات الحكومية في هذا السياق كحلولٍ مؤقَّتة تعالج الأعراضَ لا الأسباب، بل وتكرِّسُ التهرُّب من الأسباب والالتفاف عليها!
فبدلاً من زيادة الأجور وتحقيق عدالة اقتصادية تعزّز القدرة الشرائية للعاملين بأجر في الجهات الرسمية كما هو مفترض، تلجأ الحكومة إلى فرض رسوم إضافية لتمويل هذه الصناديق من جيوب المواطنين، مما يعمّق الفجوة بين المُواطن ومؤسَّسات الدولة!
فالرسوم الجديدة، مثل اللصيقة، التي تمّ تحديد قيمتها بمبلغ 4000 ليرة كأحد مصادر تمويل الصندوق المشترك لقضاة الحكم والنيابة... تم تحديد مطارح لها تشمل كل الوثائق والثبوتيات والصور والاستدعاءات والسندات والوكالات، وغيرها من الورقيات في المعاملات اليومية التي لا مفرّ منها لأصحاب العلاقة من المواطنين عند اضطرارهم للجوء إلى إحدى المحاكم أو الجهات القضائية لمعالجة ومتابعة أمورهم فيها!
فالحكومة تعالج فشلَ سياساتها الأجرية المزمن بتكريس المزيد من الفشل بسياساتها المالية من خلال زيادة الجباية من جيوب المواطنين!

بعض الآثار السلبية!

يظهر الأثر السلبي المباشر على شكل زيادة في الأعباء المادية على المواطنين، من خلال الرسوم المفروضة لتمويل الصناديق، كسلسلة لا متناهية من التكاليف والأعباء الإضافية الملزمة التي تؤثّر على كافة الشرائح الاجتماعية، وخاصة على الفئات الأضعف من الغالبية المفقَرة، التي لا تستطيع تحمُّل مزيدٍ من التكاليف في ظل واقعها المعيشي المتردّي أصلاً!
الأثر السلبي الآخر، الذي لا يقل أهمية عن الأول، هو اتساع الفجوة بعيداً عن العدالة الاجتماعية، فالسياسات الترقيعيّة المتّبعة تكرّس المزيد من التفاوت بين شرائح الموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة وأجهزتها أنفسهم!
وعلى الرغم من أهمّية دعم العاملين في أجهزة الدولة، بمختلف مواقعهم ودرجاتهم الوظيفية، إلّا أنّ طريقة تمويل هذا الدعم من جيوب المواطنين وفق الأسلوب المتّبع بفرض المزيد من الرسوم لقاء بعض الخدمات يعكس أيضاً استهانةً بحقوق المواطنين، بالإضافة إلى تكريس العدالة المنتَقَصة!
يضاف إلى ما سبق تكريس انعدام الثقة بأجهزة الدولة، حيث يلمس المواطن أنّ الحكومة لا تتّجه لمعالجة مشكلاته الأساسية، بل تلقي عليه أعباءَ سوء سياساتها أيضاً، لتتزايد حالة الغضب والاحتقان الشعبي من الإجراءات الحكومية، وصولاً لانعدام الثقة في قدرة الدولة نفسها على مستوى مسؤولياتها وواجباتها العامة!
مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الاستمرار بهذه السياسات (الأجرية الهزيلة والمالية التي تعتمد على المزيد من الجباية للتمويل)، يؤدّي إلى عرقلة كلّ الدورة الاقتصادية في البلاد، ليزيد من تشوّهها أكثر ممّا هي مشوَّهة، فزيادة الأعباء على المواطنين من خلال زيادة الجباية على حساب ضروراتهم، تقلّل من إنفاقهم على الاحتياجات الأخرى، ممّا يؤدّي عمليّاً إلى الإضرار المباشر بالكثير من القطاعات الاقتصادية (الإنتاجية والخدمية والتجارية) ويزيد من سلبيات جملة السياسات المتبعة، وخاصة على مستوى الركود والتضخم والقدرة الشرائية!

هل الحلول ممكنة!

إنّ تحميل المواطنين أعباء سلبيات السياسات الرسمية المتبعة، عبر الإجراءات الترقيعيّة المتَّخذة من قبل الحكومات المتعاقبة، لا يحلّ أيّ مشكلة أو أزمة من الأزمات المستعصية، بل يزيد من سلبياتها ويوسّعها ويعمّقها!
وبهذا الصدد يفترض أن تتبنى الحكومة سياساتٍ أجريّة ومالية عادلة بالحدّ الأدنى، تضع مصلحة المواطن في صلبها، بدلاً من الالتفاف على المشكلات الحقيقية بطرق تؤدّي في النهاية إلى تفاقم معاناته!
وبكل اختصار يمكن القول إنّ بدء الحل يكمن بسياسات أجرية عادلة وشاملة وأكثر فعالية، وليس بإجراءات ترقيعيّة منفصلة تشمل فئاتٍ وتستثني فئاتٍ أخرى، وبمطلق الأحوال ليس من خلال فرض المزيد من الجباية على حساب المواطنين ومن جيوبهم، وخاصة الغالبية المفقَرة!
ولعل هذا يفترض التالي:
رفع الحدّ الأدنى للأجور بما يتناسب مع التضخّم ولتغطية الإنفاق على الضرورات المعيشية والخدمية لأصحاب الأجور بحدّها الأدنى.
إنهاء سياسات تخفيض الإنفاق العام، وإعادة الاعتبار لسياسات الدعم الموجهة لأصحاب الأجور والمفقرين، بالإضافة لبعض القطاعات، وخاصة الإنتاجية (الزراعية والصناعية).
إعادة هيكلة النظام الضريبي ليصبح أكثر عدالة وشمولاً، وذلك بفرض ضرائب تصاعدية على الدخول المرتفعة والشركات الكبرى، وإنهاء الإعفاءات الضريبية المخصَّصة لكبار أصحاب الأرباح، بدلاً من استنزاف جيوب المواطن، وخاصة المفقرين وأصحاب الأجور.
محاربة الفساد بشكل جدّي، بالتوازي مع مساعٍ حقيقية لاستعادة الأموال المنهوبة، والحد من أشكال الهدر للموارد العامة للدولة، وتوجيهها نحو تحسين معيشة المواطن وخدماته فعلاً، مع تعزيز الشفافية والمساءلة لضمان حسن تنفيذ ذلك واستمراره!
أيْ، وبكلّ اختصار أيضاً، إنهاء كلّ السياسات الظالمة المتَّبعة رسمياً، وذلك ليس مستحيلاً بحال توفر القرار والإرادة لتحقيق ذلك!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1203